وذباً عن الأهلين، وقرأ ورش وأبو عمرو وحفص بضم الباء والباقون بالكسر، ثم أكذبهم الله تعالى بقوله تعالى: {وما} أي: والحال أنها ما {هي بعورة} في ذلك الوقت الذي قالوا هذا فيه ولا يريدون بذهابهم حمايتها {إن} أي: ما {يريدون} باستئذانهم {إلا فراراً} من القتال.

ولما كانت عنايتهم مشتدة بملازمة دورهم، فأظهروا اشتداد العناية بحمايتها زوراً بين تعالى ذلك بقوله تعالى:

{ولو دخلت} أي: بيوتهم أو المدينة، وأنث الفعل نصاً على المراد وإشارة إلى أن ما ينسب إليهم جدير بالضعف، وأتى بأداة الاستعلاء بقوله تعالى: {عليهم} إشارة إلى أنه دخول غلبة {من أقطارها} أي: جوانبها كلها بحيث لا يكون لهم مكان للهرب، وحذف الفاعل للإيماء بأن دخول هؤلاء الأحزاب ودخول غيرهم من العساكر سيان في اقتضاء الحكم المرتب عليه {ثم سئلوا} من أي سائل كان {الفتنة} أي: الشرك ومقاتلة المسلمين وقرأ {لأتوها} نافع وابن كثير بقصر الهمزة لجاؤها أو فعلوها، والباقون بالمد أي: لأعطوها إجابة لسؤال من سألهم {وما تلبثوا بها} أي: ما احتبسوا عن الفتنة {إلا يسيراً} أي: لأسرعوا إلى الإجابة للشرك طيبة بها نفوسهم، فعلم بذلك أنهم لا يقصدون إلا الفرار لا حفظ البيوت من المضار، وهذا قول أكثر المفسرين.

وقال الحسن: المراد بالفتنة الخروج من البيوت سمى بذلك لأن الإنسان لا يخرجه من بيته إلا الموت أو ما هو يقاربه، فكأنه فتنة، وعلى هذا يكون الضمير في بها راجعاً للبيوت أو المدينة أي: ما لبثوا بالبيوت أو بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا يسيراً حتى هلكوا.

{ولقد كانوا} أي: هؤلاء الذين أسرعوا الإجابة إلى الفرار {عاهدوا الله} الذي لا أَجّلَّ منه {من قبل} أي: من قبل غزوة الخندق {لا يولون الأدبار} أي: لا ينهزمون، وقال يزيد بن رومان: هم بنو حارثة هموا يوم أحد أن يفشلوا مع بني سلمة، فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله تعالى أن لا يعودوا لمثلها، وقال قتادة: هم أناس كانوا قد غابوا عن وقعة بدر فرأوا ما أعطى الله تعالى أهل بدر من الكرامة والفضيلة قالوا: لئن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلن، فساق الله تعالى إليهم ذلك، وقال مقاتل والكلبي: هم سبعون رجلاً بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وقالوا: اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأولادكم قالوا: وإذا فعلنا ذلك فما لنا يا رسول الله قال: لكم النصر في الدنيا، والجنة في الآخرة قالوا: قد فعلنا، فذلك عهدهم، قال البغوي: وهذا القول، ليس بمرضي لأن الذين بايعوا ليلة العقبة كانوا سبعين نفراً ليس فيهم شاك ولا من يقول مثل هذا القول، وإنما الآية في قوم عاهدوا الله تعالى أن يقاتلوا ولا يفروا فنقضوا العهد. انتهى.

ولما كان الإنسان قد يتهاون بالعهد لإعراض المعاهد عنه قال تعالى: {وكان عهد الله} المحيط بصفات الكمال {مسؤولاً} أي: عن الوفاء به، ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:

{قل} أي: لهم وأكد لظنهم نفع الفرار {لن ينفعكم الفرار} في تأخير آجالكم في وقت من الأوقات الذي ما كان استئذانكم إلا بسببه {إن فررتم من الموت أو القتل} أي: الذي كتب لكم لأن الأجل إن كان قد حضر لم يتأخر بالفرار، وإلا لم يقصره الثبات كما كان عليّ رضي الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015