الله عليه وسلم فأنامني عند رجليه وألقى عليّ طرف ثوبه، وألصق صدري ببطن قدميه فلم أزل نائماً حتى أصبحت فقال: قم يا نومان.

ثم إن الله تعالى بيَّن حال غير الثابتين بقوله تعالى:

{وإذ يقول المنافقون} معتب بن قشير وقيل: عبد الله بن أبيّ وأصحابه {والذين في قلوبهم مرض} أي: ضعف اعتقاد {ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} أي: باطلاً استدرجنا به إلى الانسلاخ عما كنا عليه من دين آبائنا، وإلى الثبات على ما صرنا إليه بعد ذلك الانسلاخ بما وعدنا به من ظهور هذا الدين على الدين كله والتمكين في البلاد حتى حفر الخندق، فإنه قال: إنه أبصر بما برق له من ضوء صخرة سلمان مدينة صنعاء من اليمن وقصور كسرى من الحيرة من أرض فارس، وقصور الشام من أرض الروم، وإن تابعيه ليظهرون على ذلك كله، وقد صدق الله وعده في جميع ذلك حتى في لبس سراقة بن مالك بن جعثم سوار كسرى بن هرمز كما هو مذكور في دلائل النبوة للبيهقي، وكذبوا في شكهم ففاز المصدقون وخاب الذين هم في ريبهم يترددون.

{وإذ قالت طائفة منهم} أي: من المنافقين وهم أوس بن قبطي وأصحابه {يا أهل يثرب} أي: المدينة وقال أبو عبيدة: يثرب اسم أرض ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في ناحية منها، وفي بعض الأخبار: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسمى المدينة يثرب، وقال: هي طابة كأنه كره تلك اللفظة فعدلوا عن هذا الاسم الذي وسمها به النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاسم الذي كانت تدعى به قديماً مع نهيه عنه، واحتمال قبحه باشتقاقه من الثرب الذي هو اللوم والتعنيف، وقال أهل اللغة: يثرب اسم المدينة وقيل: اسم البقعة التي فيها المدينة. وامتناع صرفها إما للعلمية والوزن أو العلمية والتأنيث، وأما يثرب بالمثناة وفتح الراء فموضع آخر باليمن قال الشاعر:

*وعدت وكان الخلف منك سجية ... مواعيد عرقوب أخاه بيثرب*

وقال آخر:

*وقد وعدتك موعداً لو وفت به ... مواعيد عرقوب أخاه بيثرب*

وقرأ {لا مقام} حفص بضم الميم أي: لا إقامة {لكم} في مكان القتال ومصارعة الأبطال، والباقون بفتحها أي: لا مكان لكم تنزلون وتقيمون فيه {فارجعوا} إلى منازلكم عن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: عن القتال إلى منازلكم.

ولما بين تعالى هؤلاء الذين هتكوا الستر وبينوا ما هم فيه من سفول الأمر أتبعهم آخرين تستروا ببعض الستر متمسكين بأذيال النفاق خوفاً من أهوال الشقاق بقوله تعالى: {ويستأذن} أي: يجدد كل وقت طلب الإذن لأجل الرجوع إلى البيوت والكون مع النساء {فريق منهم} أي: طائفة شأنها الفرقة {النبي} في الرجوع، وقد رأوا ما حواه من علو المقدار بما له من حسن الخلق والخلق وما له من جلالة الشمائل وكرم الخصائل، وهم بنو حارثة وبنو سلمة {يقولون} أي: في كل قليل مؤكدين لعلمهم بكذبهم وتكذيب المؤمنين قولهم {إن بيوتنا} أتوا بجمع الكثرة إشارة إلى كثرة أصحابهم من المنافقين {عورة} أي: غير حصينة بها خلل كبير يمكن كل من أراد من الأحزاب أن يدخلها يدخلها منه، وقيل قصيرة الجدران فإذا ذهبنا إليها حفظناها منهم وكفينا من يأتي إلينا من مفسديهم حماية للدين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015