إخوانكم في الدين أي: أن تقول: عبد الله وعبد الرحمن وعبيد الله وأشباههم من الأسماء، وأن يدعى إلى اسم مولاه وقيل: مواليكم أولياؤكم في الدين.
ولما كان عادتهم الخوف مما سبق من أحوالهم على النهي لشدة ورعهم أخبرهم أنه تعالى أسقط عنهم ذلك لكونه خطأ، وساقه على وجه يعمم ما بعد النهي أيضاً بقوله تعالى: {وليس عليكم جناح} أي: إثم وميل واعوجاج، وعبر بالظرف ليفيد أن الخطأ لا إثم فيه بوجه، ولو عبر بالباء لظن أن فيه إثماً ولكن يعفي عنه فقال تعالى: {فيما أخطأتم به} أي: من الدعاء بالنبوة والمظاهرة، أو في شيء قبل النهي أو بعده ودل قوله تعالى {ولكن ما} أي: الإثم فيما {تعمدت قلوبكم} على زوال الحرج أيضاً فيما وقع بعد النهي على سبيل النسيان، أو سبق اللسان، ودل تأنيث الفعل على أنه لا يتعمد بعد البيان الشافي إلا قلب فيه رخاوة الأنوثة، ودل جمع الكثرة على عموم الإثم إن لم ينته المتعمد.
تنبيه: يجوز في ما هذه وجهان:
أحدهما: أن تكون مجرورة المحل عطف على ما المجرورة قبلها بفي. والتقدير: ولكن الجناح فيما تعمدت كما مرت الإشارة إليه.
والثاني: أنها مرفوعة المحل بالابتداء، والخبر محذوف. وتقديره: تؤاخذون به أو عليكم فيه الجناح ونحوه، ولما كان هذا الكرم خاصاً بما تقدم عمم سبحانه وتعالى بقوله {وكان الله} أزلاً وأبداً {غفوراً} أي: من صفته الستر البليغ على المذنب التائب {رحيماً} به، ولما نهى تعالى عن التبني وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيد بن حارثة مولاه لما اختاره على أبيه وعمه كما مر علل تعالى النهي فيه بالخصوص بقوله تعالى: دالاً على أن الأمر أعظم من ذلك:
{النبي} أي: الذي ينبئه الله تعالى بدقائق الأحوال في بدائع الأقوال، ويرفعه دائماً في مراقي الكمال ولا يزيد أن يشغله بولد ولا مال {أولى بالمؤمنين} أي: الراسخين في الإيمان فغيرهم أولى في كل شيء من أمور الدين والدنيا لما حازه من الحضرة الربانية {من أنفسهم} فضلاً عن آبائهم في نفوذ حكمه فيهم ووجوب طاعته عليهم، روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرؤا إن شئتم {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} فأي مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه» .
وعن جابر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فأيما رجل مات وترك ديناً فإليّ، ومن ترك مالاً فهو لورثته» وعن أبي هريرة قال: كان المؤمن إذا توفي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل: هل عليه دين؟ فإن قالوا: نعم قال: هل ترك وفاء لدينه، فإن قالوا: نعم صلى عليه وإن قالوا: لا قال: صلوا على صاحبكم، وإنما لم يصل عليه صلى الله عليه وسلم أولاً فيما إذا لم يترك وفاء لأن شفاعته صلى الله عليه وسلم لا ترد، وقد ورد إن نفس المؤمن محبوسة عن مقامها الكريم ما لم يوف دينه، وهو محمول على من قصر في وفائه في حال حياته، أما من لم يقصر لفقره مثلاً فلا، كما أوضحت ذلك في شرح المنهاج في باب الرهن.
وإنما كان صلى الله عليه وسلم أولى بهم من أنفسهم لأنه لا يدعوهم إلا إلى العقل والحكمة، ولا يأمرهم إلا بما ينجيهم، وأنفسهم إنما تدعوهم إلى الهوى والفتنة فتأمرهم بما يرد بهم، فهو يتصرف فيهم تصرف الآباء بل أعظم بهذا السبب الرباني فأي: حاجة إلى السبب الجسماني