فأقل ما نريد أن يوزع العذاب على من كان سبباً في ذلك، وقيل ما مصدرية متصلة بتبرأنا أي: تبرأنا من عبادتهم إيانا، ولما لم يلتفت إلى هذا الكلام منهم بل عدّ عدماً لأنه لا طائل تحته أشير إلى الإعراض عنه لأنه لا يستحق جواباً كما قيل رب قول جوابه السكوت، بقوله تعالى:
{وقيل} أي: ثانياً للأتباع تهكماً بهم وإظهاراً لعجزهم الملزوم لتحيرهم وعظم تأسفهم وذكر ذلك بصيغة المجهول للأستهانة بهم وأنهم من الذل والصغار بحيث يجيبون كل آمر كائناً من كان {ادعوا} أي: كلكم {شركاءكم} أي: الذين ادعيتم جهلاً شركتهم ليدفعوا عنكم العذاب {فدعوهم} تعللاً بما لا يغني وتمسكاً بما يتحقق أنه لا يجدي لفرط الغلبة واستيلاء الحيرة والدهشة {فلم يستجيبوا لهم} أي: لم يجيبوهم لعجزهم عن الإجابة والنصرة، قال ابن عادل: والأقرب أنّ هذا على سبيل التقريع لأنهم يعلمون أنه لا فائدة في دعائهم {ورأوا} أي: هم {العذاب} عالمين بأنه مواقعهم لا مانع له عنهم فكان الحال حينئذ مقتضياً لأن يقال من كل من يهواهم {لو أنهم كانوا يهتدون} أي: تحصل منهم هداية ساعة من الدهر تأسفاً على أمرهم وتمنياً لخلاصهم ولو أن ذلك كان في طاقتهم وجواب لو محذوف أي: لنجوا من العذاب ولما رأوه أصلاً، قال الضحاك ومقاتل: يعني المتبوع والتابع يرون العذاب ولو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا ما أبصروه في الآخرة.
{ويوم يناديهم} أي: الله تعالى وهم بحيث يسمعهم الداعي وينفذهم البصر قد برزوا لله جميعاً من كان منهم عاصياً ومن كان منهم مطيعاً في صعيد واحد قد أخذنا بأنفاسهم الزحام وتراكب الأقدام على الأقدام وألجمهم العرق وعمهم الغرق {فيقول ماذا} أي: أوضحوا وعينوا جوابكم الذي {أجبتم المرسلين} إليكم، تنبيه: ويوم معطوف على الأوّل فإنه تعالى يسأل عن إشراكهم به ثم تكذيبهم الأنبياء ولما لم يكن لهم قدم صدق ولا سابق حق بما أتتهم الرسل به من الحجج لم يكن لهم جواب إلا السكوت وهو المراد بقوله تعالى:
{فعميت} أي: خفيت وأظلمت {عليهم الأنباء} أي: الأخبار المنجية {يومئذ} التي هي من العظمة بحيث يحق لها في ذلك اليوم أن تذكر، تنبيه: الأصل فعموا عن الأنباء لكنه عكس مبالغة ودلالة على أن ما يحضر الذهن إنما يفيض ويرد عليه من خارج وإذا أخطأه لم يكن له حيلة إلى استحضاره وإذا كان الرسل عليهم الصلاة والسلام في ذلك اليوم يفوِّضون إلى علم الله تعالى فما ظنك بالضلال فلهذا قال تعالى: {فهم لا يتساءلون} أي: لا يسأل بعضهم بعضاً عن الجواب لفرط الدهشة أو للعلم بأنه مثله هذا حال من أصر على كفره.
{فأما من تاب} عنه وقوله تعالى: {وآمن} تصريح بما علم التزاماً فإن الكفر والإيمان ضدّان لا يمكن ترك أحدهما إلا بأخذ الآخر وقوله تعالى: {وعمل صالحاً} لأجل أن يكون مصدقاً لدعواه باللسان {فعسى} إذا فعل ذلك {أن يكون من المفلحين} عند الله وعسى تحقيق على عادة الكرام، أو ترجّ من التائب بمعنى فليتوقع أن يفلح، ولما كان كأنه قيل ما لأهل القسم الأوّل لا يتوخون النجاة من ضيق ذلك البلاء إلى رحب هذا الرجاء وكان الجواب ربك منعهم من ذلك، وما له لم يقطع لهذا القسم بالفلاح كما قطع لأهل القسم الأوّل بالشقاء كان الجواب.
{وربك يخلق ما يشاء ويختار} لا موجب عليه ولا مانع له {ما كان لهم الخيرة} أي: أن يفعلوا