مشوب بالآلام مكدر بالمتاعب مستعقب للتحسر على الانقطاع، وعن ابن عباس أن الله تعالى خلق الدنيا وجعل أهلها ثلاثة أصناف: المؤمن والمنافق والكافر فالمؤمن يتزوّد والمنافق يتزين والكافر يتمتع {ثم هو} مع ذلك كله {يوم القيامة} الذي هو يوم التغابن من خسر فيه لم يربح أصلاً {من المحضرين} أي: المقهورين على الحضور إلى مكان يود لو افتدى منه بملء الأرض ذهباً لم يقبل منه، قال قتادة يحضره المؤمن والكافر، قال مجاهد: نزلت في النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي جهل، وقال محمد بن كعب نزلت في حمزة وعلي وفي أبي جهل، وقال السدّي: نزلت في عمار والوليد بن المغيرة.
تنبيه: ثم لتراخي حال الإحضار عن حال التمتع في الزمان أو الرتبة، وقرأ ثم هو قالون والكسائي بسكون الهاء، والباقون بالضم.
{ويوم} أي: واذكر يوم {يناديهم} أي: ينادي الله هؤلاء الذين يضلون الناس ويصدّون عن سبيل الله {فيقول} أي: الله تعالى {أين شركائي} من الأوثان وغيرهم ثم بين أنهم لا يستحقون هذا الاسم بقوله تعالى: {الذين كنتم} أي: كوناً غريقين فيه {تزعمون} أنها تشفع ليدفعوا عنكم وعن أنفسهم فيخلصكم من هذا الذي نزل بكم، تنبيه: تزعمون مفعولاه محذوفان أي: تزعمونهم شركائي {قال الذي حق} أي: ثبت ووجب {عليهم القول} أي: بدخول النار وهم رؤوس الضلالة وهو قوله تعالى: {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} (هود، 119) وغيره من آيات الوعيد وقولهم {ربنا هؤلاء} إشارة للإتباع {الذين أغوينا} أي: أوقعنا الأغواء وهو الإضلال بهم صفته والعائد حذف وقولهم {أغويناهم} أي: فغووا باختيارهم {كما غوينا} أي: نحن فهؤلاء مبتدأ والذين أغوينا صفته والراجع إلى الموصول محذوف وأغويناهم الخبر والكاف صفة مصدر محذوف تقديره أغويناهم فغووا غياً مثل ما غوينا يعنون أنا لم نغو إلا باختيارنا لا أنّ فوقنا مغوين أغوونا بقسر منهم وإلجاء، أو دعونا إلى الغي وسوّلوه لنا فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم لأنّ أغواءنا لهم لم يكن إلا وسوسة وتسويلاً لا قسراً وإلجاء فلا فرق إذاً بين غينا وغيهم وإن كان تسويلنا لهم داعياً إلى الكفر فقد كان في مقابلته دعاء الله تعالى لهم إلى الإيمان بما وضع فيهم من أدلة العقل وبما بعث إليهم من الرسل وأنزل إليهم من الكتب المشحونة بالوعد والوعيد والمواعظ والزواجر وناهيك بذلك صارفاً عن الكفر وداعياً إلى الإيمان، وهذا معنى ما حكاه الله تعالى عن الشيطان: {إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} (إبراهيم، 22) .
تنبيه: اعترض أبو علي على الزمخشريّ في هذا الإعراب بأن الخبر ليس فيه زيادة فائدة على ما في صفته، فإن قلت قد وصل الخبر بقوله كما غوينا وفيه زيادة قلت الزيادة بالظرف لا تصيِّره أصلاً في الجملة لأنّ الظروف فضلات، ثم إنه أعرب هو هؤلاء مبتدأ والذين أغوينا خبره وأغويناهم مستأنف، وأجاب أبو البقاء وغيره بأن الظروف قد تلزم كقولك زيد عمرو قائم في داره ثم أشاروا بقولهم {تبرأنا إليك} أي: من أمورهم إلى أنه لا لوم علينا في الحقيقة بسببهم فهو تقرير للجملة الأولى ولهذا خلت عن العاطف وعلى تقدير إغوائنا لهم {ما كانوا إيانا} أي: خاصة {يعبدون} بل كانوا يعبدون الأوثان بما زينت لهم أهواؤهم وإن كان لنا فيه نوع دعاء إليه وحث عليه