من القبور كما كنا أوّل مرّة {نحن وآباؤنا من قبل} أي: قبل محمد فقد مرّت الدهور على هذا الوعد ولم يقع منه شيء فذلك دليل على أنه لا حقيقة له، فكأنه قيل: فما فائدة المراد به فقالوا {إن} أي: ما {هذا إلا أساطير الأوّلين} أي: أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها ولا حقيقة لها.

تنبيه: أساطير الأوّلين: جمع أسطورة بالضم أي: ما سطر من الكذب، فإن قيل: لم قدم في هذه الآية هذا، على نحن وآباؤنا، وفي آية أخرى قدم نحن وآباؤنا، على هذا؟ أجيب: بأنّ التقديم دليل على أنّ المقدّم هو الغرض المقصود بالذكر وأنّ الكلام إنما سيق لأجله، ففي إحدى الآيتين دل على أنّ إيجاد البعث هو الذي تعمد بالكلام وفي الأخرى على أنّ إيجاد المبعوث بذلك الصدد، ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرشدهم بما في صورة التهديد بقوله تعالى:

{قل سيروا في الأرض} أي: أيها العمي الجاهلون {فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} بإنكارهم وهي هلاكهم بالعذاب فإنكم إن نظرتم وتأمّلتم أخبارهم حق التأمّل أسرع بكم ذلك إلى التصديق فنجوتم وإلا هلكتم كما هلكوا، وأراد بالمجرمين الكافرين، فإن قيل: فلم لم يقل عاقبة الكافرين؟ أجيب: بأنّ هذا يحصل به التخويف لكل العصاة، ثم إنّ الله تعالى صبر نبيه صلى الله عليه وسلم على ما يناله من جلافتهم وعماهم عن السبيل الذي هدى إليه الدليل بقوله تعالى:

{ولا تحزن عليهم} أي: في عدم إيمانهم فإنما عليك البلاغ {ولا تكن في ضيق مما يمكرون} أي: لا تهتم بمكرهم عليك فأنا ناصرك عليهم وجاعل تدميرهم في تدبيرهم كطغاة قوم صالح، تنبيه: الضيق الحرج يقال ضاق الشيء ضيقاً وضيقاً بالفتح والكسر، ولهذا قرأ ابن كثير بكسر الضاد، والباقون بالفتح، ولما أشار تعالى إلى أنهم لم يبقوا في المبالغة في التكذيب بالساعة وجهاً أشار تعالى إلى أنهم في التكذيب بالوعيد بالساعة وغيرها من عذاب الله أشدّ مبالغة بقوله تعالى:

{ويقولون} بالمضارع المؤذن بالتجدّد كل حين والاستمرار {متى هذا الوعد} أي: العذاب والبعث والمجازاة الموعود بها وسموه وعداً إظهاراً لمجيئه تهكماً به {إن كنتم} أي: أنت ومن تبعك {صادقين} فيه، ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم بقوله تعالى:

{قل} لهم {عسى أن يكون ردف لكم} أي: تبعكم وردفكم ولحقكم، فاللام مزيدة على هذا للتأكيد كالباء في قوله {ولا تلقوا بأيديكم} (البقرة، 195)

ويصح أن يكون تضمن ردف معنى فعل فتعدى باللام نحو دنا وقرب وأردف وبهذا فسره ابن عباس، وقد عدّي بمن في قول القائل:

*فلما ردفنا من عمير وصحبه ... تولوا سراعاً والمنية تعنق*

يعني دنونا من عمير {بعض الذي تستعجلون} أي: فحصل لهم القتل ببدر وباقي العذاب يأتي بعد الموت، تنبيه: عسى ولعلّ وسوف في مواعيد الملوك كالجزم بها، وإنما يطلقون إظهاراً لوقارهم وإشعاراً بأنّ الرمز منهم كالتصريح من غيرهم وعليه جرى وعد الله ووعيد، ولما كان التقدير فإنّ ربك لا يعجل على هذا العاصي بالانتقام مع تمام قدرته عطف عليه.

{وإن ربك} أي: المحسن إليك بالحلم على أمّتك {لذو فضل} أي: تفضل وإنعام {على الناس} أي: كافة {ولكن أكثرهم لا يشكرون} أي: لا يعرفون حق النعمة له ولا يشكرونه بل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015