فكأن ذاته فيها، وعلى هذا فيرتفع على البدل والصفة، والرفع أفصح من النصب لأنه منفي، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول.

{قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} وعن بعضهم أخفى غيبه عن الخلق ولم يطلع عليه أحداً لئلا يأمن أحد من عبيده مكره، وقوله تعالى: {وما يشعرون} صفة لأهل السموات والأرض نفي أن يكون لهم علم بالغيب، وإن اجتمعوا وتعاونوا {أيان} أي: أيّ وقت {يبعثون} أي: ينشرون، وقوله تعالى:

{بل} بمعنى هل {أدارك} أي: بلغ وتناهى {علمهم في الآخرة} أي: بها حتى سألوا عن وقت مجيئها، ليس الأمر كذلك {بل هم في شك} أي: ريب {منها} كمن تحير في الأمر لا يجد عليه دليلاً {بل هم منها عمون} لا يدركون دلائلها لاختلال بصيرتهم، وهذا وإن اختص بالمشركين بمن في السموات والأرض، نسب إلى جميعهم كما يسند فعل البعض إلى الكل.

فإن قيل: هذه الاضرابات الثلاثة ما معناها؟ أجيب: بأنها لتنزيل أحوالهم وصفهم أوّلاً بأنّهم لا يشعرون بوقت البعث، ثم بأنهم لا يعلمون أنّ القيامة كائنة، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه والإزالة مستطاعة، ثم بما هو أسوأ حالاً وهو العمى وأن يكون مثل البهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه لا يخطر بباله حقاً ولا باطلاً ولا يفكر في عاقبة وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه فلذلك عدّاه بمن دون عن لأنّ الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يتبصرون، ووصفهم باستحكام علمهم في أمر الآخرة تهكماً.

وقرأ أبو عمرو وابن كثير بقطع الهمزة مفتوحة وسكون اللام قبلها وسكون الدال بعدها، والباقون بكسر اللام وإسقاط الهمزة بعدها وتشديد الدال وبعدها ألف بمعنى تتابع حتى استحكم أو تتابع حتى انقطع من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك وقوله تعالى:

{وقال الذين كفروا أئذا كناتراباً وآباؤنا أئنا} أي: نحن وآباؤنا الذين طال العهد بهم {لمخرجون} كالنبات، والعامل في إذا محذوف يدل عليه لمخرجون تقديره نبعث ونخرج، لأنّ بين يدي عمل اسم المفعول فيه عقبات وهي همزة الاستفهام وإنا ولام الابتداء وواحدة منها كافية فكيف إذا اجتمعت، والمراد الإخراج من الأرض أو من حال الفناء إلى حال الحياة وتكرير حرف الاستفهام بإدخاله على إذا وأنا جميعاً إنكار على إنكار وجحود عقب جحود ودليل على كفر مؤكد مبالغ فيه، والضمير في إنا لهم ولآبائهم لأنّ كونهم تراباً قد تناولهم وآباؤهم.

تنبيه: آباؤنا عطف على اسم كان وقام الفصل بالخبر مقام الفصل بالتوكيد.

وقرأ نافع بالخبر في إذا وبالاستفهام في أئنا، وابن عامر والكسائي بالاستفهام في الأوّل والخبر في الثاني وزادا فيه نوناً ثانية، وباقي القراء بالاستفهام في الأوّل والثاني وهم على مذاهبهم من التسهيل والتحقيق والمدّ والقصر، فمذهب قالون وأبي عمرو التسهيل في الهمزة الثانية، وإدخال ألف بينها وبين همزة الاستفهام، ومذهب ورش وابن كثير التسهيل وعدم الإدخال ومذهب هشام الإدخال وعدمه مع التحقيق، ومذهب الباقين التحقيق وعدم الإدخال، ثم أقام الكفار الدليل في زعمهم على ذلك فقالوا تعليلاً لاستبعادهم.

{لقد وعدنا هذا} أي: الإخراج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015