لغلبة عباده أو تحقيراً، فإن قيل: ما فائدة هذا السؤال مع أن الله تعالى كان عالماً في الأزل بحال المسؤول عنه؟ أجيب: بأن هذا سؤال تقريع للمشركين كما قال لعيسى عليه السلام: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} (المائدة، 116) ، وقرأ ابن عامر فنقول بالنون، والباقون بالياء، وقرأ أأنتم نافع وابن كثير بتسهيل الثانية وإدخال ألف بينها وبين همزة الاستفهام، وورش وابن كثير بتسهيل الثانية ولا ألف بينهما وبين الأولى ولورش وجه آخر وهو إبدال الثانية ألفاً، وهشام بتسهيل الثانية وتحقيقها مع الإدخال، والباقون بتحقيقهما، وقرأ هؤلاء أم هم نافع وابن كثير وأبو عمرو في الوصل بإبدال الهمزة من أم ياء خالصة، والباقون بتحقيقها.
{قالوا سبحانك} أي: تنزيهاً لك عما لا يليق بك، أو تعجباً مما قيل لهم؛ لأنهم إما ملائكة أو أنبياء معصومون فما أبعدهم عن الضلال الذي هو مختص بإبليس وجنوده، أو جمادات وهي لا تقدر على شيء، أو إشعاراً بأنهم الموسومون بتسبيحه وتوحيده، فكيف يليق بهم إضلال عبيده؟ {ما كان ينبغي} أي: يستقيم {لنا أن نتخذ} أي: نتكلف أن نأخذ باختيارنا بغير إرادة منك {من دونك} أي: غيرك {من أولياء} للعصمة أو لعدم القدرة، فكيف يستقيم لنا أن نأمر بعبادتنا؟ فإن قيل: ما فائدة أنتم وهم، وهلا قيل: أأضللتم عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل؟ أجيب: بأن السؤال ليس عن الفعل ووجوده؛ لأنه لولا وجوده؛ لما توجه هذا العتاب، وإنما هو عن متوليه فلا بد من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام حتى يعلم أنه المسؤول عنه.
تنبيه: من أولياء مفعول أول، ومن زائدة لتأكيد النفي، وما قبله المفعول الثاني، ولما تضمن كلامهم أنا لم نضللهم ولم نحملهم على الضلال حسن الاستدراك بقولهم: {ولكن متعتهم وآباءهم} وهو أن ذكروا سببه أي: أنعمت عليهم وعلى آبائهم من قبلهم بأنواع النعم والصحة وطول العمر في الدنيا، فجعلوا ذلك ذريعة إلى ضلالهم عكس القضية {حتى نسوا الذكر} أي: تركوا الإيمان بالقرآن، وقيل: تركوا ذكرك وغفلوا عنه {وكانوا} أي: في علمك بما قضيت عليهم في الأزل {قوماً بوراً} أي: هلكى، وهو مصدر وصف به، ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع، أو جمع بائر كعائذ وعوذ، وقوله:
{فقد كذبوكم} فيه التفات إلى العبدة بالاحتجاج والإلزام على حذف القول، والمعنى: فقد كذب المعبودون العابدين {بما} أي: بسبب ما {تقولون} أي: أيها العابدون من أنهم يستحقون العبادة، وأنهم يشفعون لكم وأنهم أضلوكم، ولما تسبب عن تخليهم عن عبدتهم أنه لا نفع في أيديهم ولا ضر قال تعالى: {فما يستطيعون} أي: المعبودون {صرفاً} أي: لشيء من الأشياء عن أحد من الناس لا أنتم ولا غيركم من عذاب ولا غيره بوجه حيلة ولا شفاعة ولا معاداة {ولا نصراً} أي: منعاً لكم من الله تعالى إن أراد بكم سوءاً، وهذا نحو قوله تعالى: {لا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} (الإسراء، 56) ، وقرأ حفص بالتاء على الخطاب، والباقون بالياء على الغيبة {ومن يظلم} أي: بالشرك {منكم} أي: أيها المكلفون {نذقه} أي بما لنا من العظمة {عذاباً كبيراً} أي: شديداً في الدنيا بالقتل أو الأسر أو ضرب الجزية، وفي الآخرة بنار جهنم، روى الضحاك عن ابن عباس أنه قال: لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم: {ما لهذا الرسول} إلى آخرها أنزل الله تعالى:
{وما أرسلنا قبلك} أي: يا أشرف الخلق أحداً {من