كلماته في الجانبين فيقول: قل أشهد بالله إلخ؛ لأنّ اللعان يمين واليمين لا يعتد بها قبل استحلاف القاضي، وإن غلب فيه معنى الشهادة، فهي لا تؤدى عنده إلا بإذنه وأن يتأخر لعانها عن لعانه لأن لعانها لإسقاط الحدّ الذي وجب عليها بلعان الزوج كما علم مما مرّ، ويلاعن أخرس بإشارة مفهمة أو كتابة ويكرر كلمة الشهادة أربعاً أو يكتبها مرّة ويشير إليها أربعاً، ويصح اللعان بالعجمية، وإن عرف العربية ويشترط الولاء بين الكلمات الخمس فيؤثر الفصل الطويل ولا يشترط الولاء بين لعاني الزوجين، ولو أبدل لفظ شهادة بحلف ونحوه أو لفظ غضب بلعن أو عكسه أو ذكره قبل تمام الشهادة لم يصح ذلك ويصح أن يتلاعنا قائمين وإن يغلظ اللعان بزمان وهو بعد عصر الجمعة فيؤخر إليه إن لم يكن طلب أكيد وإلا فبعد عصر أي يوم كان وبمكان عند أشرف بلد اللعان فبمكة بين الحجر الأسود والمقام، وهو المسمى بالحطيم، والمدينة على المنبر، وبيت المقدس عند الصخرة، وغيرها على منبر الجامع، وتلاعن حائض بباب المسجد وذمي في بيعة للنصارى، وكنيسة لليهود وبيت نار لمجوس؛ لأنهم يعظمونها لا بيت أصنام وثني؛ لأنه لا حرمة له.
وقرأ حفص: والخامسة الأخيرة بالنصب، والباقون بالرفع. وقرأ نافع بتخفيف النون ساكنة وكسر الضاد ورفع الهاء من الاسم الجليل والباقون بتشديد النون منصوبة ونصب الضاد وخفض الهاء. ولما حرّم سبحانه وتعالى بهذه الجمل الأعراض والأنساب فصان بذلك الدين والأموال، علم أن التقدير فلولا أنه سبحانه خير الغافرين وخير الراحمين لما فعل بكم ذلك ولا فضح المذنبين وأظهر سرائر المستخفين، ففسد النظام فعطف على هذا الذي علم تقديره قوله تعالى:
{ولولا فضل الله} أي: بما له من الكرم والاتصاف بصفات الكمال {عليكم ورحمته} أي: بكم بالستر في ذلك {وإن الله} أي: الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً {تواب} بقبوله التوبة في ذلك وغير ذلك {حكيم} يحكم الأمور فيمنعها من الفساد بما يعلم من عواقب الأمور لفضح كل عاصٍ، ولم يوجب أربعة شهداء ستراً لكم، الحكم الخامس: قصة الإفك المذكورة في قوله تعالى:
{إن الذين جاؤوا بالإفك} أي: أسوأ الكذب سمي إفكاً لكونه مصروفاً عن الحق من قولهم: أفك الشيء إذا صرفه عن جهته، وذلك أن عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبويها كانت تستحق الثناء لما كانت عليه من الحصانة والشرف والعفة والكرم، فمن رماها بسوء فقد قلب الأمر عن أحسن وجوهه إلى أقبح أفضائه.
فإن قيل: لم ترك تسميتها؟ أجيب: بأنه تركه تنزيهاً لها عن هذا القال وإبعاداً لصون جانبها العلي عن هذا المراد، وقوله تعالى: {عصبة} خبر إنّ أي: جماعة أقلهم عشرة وأكثرهم أربعون وكذا العصابة وقوله تعالى: {منكم} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعائشة وصفوان ومن يعد عندكم في عداد المسلمين يريد عبد الله بن أبيّ وزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم، وقوله تعالى: {لا تحسبوه شرّاً لكم} مستأنف أي: لا تنشأ عنه فتنة ولا يصدقه أحد {بل هو خير لكم} لاكتسابكم به الثواب العظيم؛ لأنه كان بلاءً مبيناً ومحنة ظاهرة، وظهور كرامتكم على الله تعالى بإنزال ثمان عشرة آية في براءتكم وتعظيم شأنكم وتهويل الوعيد لمن تكلم فيكم، والثناء على من ظن بكم خيراً كل واحدة منها مستقلة بما هو تعظيم لشأن