من الشهداء؛ لأن لعانه يكون بلفظ الشهادة، ومذهب الشافعي أنه لا يقبل في ذلك كما قدّمناه {فشهادة أحدهم} أي: فالواجب شهادة أحدهم على من رماها أو فعليهم شهادة أحدهم {أربع شهادات} من خمس في مقابلة أربعة شهداء {بالله} أي: مقرونة بهذا الاسم الكريم الأعظم الموجب لاستحضار جميع صفات الجلال والجمال {إنه لمن الصادقين} أي: فيما قذفها به، وقرأ حفص وحمزة والكسائي برفع العين على أنه خبر شهادة والباقون بنصبها على المصدر {والخامسة أن لعنت الله} أي: الملك الأعظم {عليه} أي: القاذف نفسه {إن كان من الكاذبين} فيما رماها به، وقرأ نافع بتخفيف أن ساكنة ورفع لعنة، والباقون بتشديد النون منصوبة ونصب لعنة ورسمت لعنة بتاء مجرورة، ووقف عليها بالهاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي، ووقف الباقون بالتاء، وإذا وقف الكسائي أمال الهاء هذا لعان الرجل وحكمه سقوط حدّ القذف عليه وحصول الفرقة بنفسه فرقة فسخ عندنا لقوله صلى الله عليه وسلم «المتلاعنان لا يجتمعان أبداً» وبتفريق الحاكم فرقة طلاق عند أبي حنيفة ونفي الولد إن تعرض له فيه وثبوت حدّ الزنا على المرأة بقوله تعالى: {ويدرأ} أي: يدفع {عنها} أي: المقذوفة {العذاب} أي: المعهود وهو الحدّ الذي أوجبه عليها كما تقدّم {أن تشهد أربع شهادات} من خمس {بالله} الذي له جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا كما تقدم في الزوج {إنه لمن الكاذبين} فيما قاله عليها {والخامسة} من الشهادات {أن غضب الله} الذي له الأمر كله {عليها إن كان
من الصادقين} أي: فيما رماها به.
روى البخاري في تفسيره وغيره عن ابن عباس «أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: البينة أو حد في ظهرك، فقال هلال بن أمية: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحد، فنزل جبريل عليه السلام وأنزل عليه: {والذين يرمون أزواجهم} حتى بلغ {إن كان من الصادقين} ، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما فجاءا، فقام هلال بن أمية، فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: والله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب، ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة أوقفوها وقالوا: إنها موجبة؛ قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين، فهو لشريك بن سمحاء، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن» .
وقد روى البخاري أيضاً عن سهل ابن سعد أنّ سبب نزولها قصة مثل هذه لعويمر رضي الله عنه وقد تقدم أنه لا يمتنع أن يكون للآية الواحدة عدّة أسباب معاً أو متفرقة.
تنبيه: خصت المرأة بالغصب لأنه أبلغ من اللعن الذي هو الطرد لأنه قد يكون بسبب غير الغضب، وسبب التغليظ عليها الحث على اعترافها بالحق لما يصدق الزوج من القرينة من أنه لا يتجشم فضيحة أهله المستلزم لفضيحته إلا وهو صادق، ولأنها مادة الفساد وخالطة الأنساب، ويشترط في اللعان أمر القاضي وتلقينه