إنكارهم بقولهم:
{أيعدكم أنكم إذا متم} ففارقت أرواحكم أجسادكم {وكنتم} أي: وكانت أجسادكم {تراباً} باستيلاء التراب على ما دون عظامكم {وعظاماً} مجردة عن اللحوم والأعصاب {أنكم مخرجون} أي: من تلك الحالة التي صرتم إليها فراجعون إلى ما كنتم عليه من الحياة على ما كان لكم من الأجسام.
تنبيه: قوله تعالى: مخرجون خبر إنكم الأولى، وإنكم الثانية تأكيد لها لما طال الفصل، ثم استأنفوا التصريح بما دل عليه الكلام من استبعاد ذلك فقالوا:
{هيهات هيهات} اسم فعل ماض بمعنى مصدر أي: بعد بعد جداً، وقال ابن عباس: هي كلمة بعد أي: بعيد، ثم كأنه قيل: لأي شيء هذا الاستبعاد؟ فقيل: {لما توعدون} من الإخراج من القبور فإن قيل: ما توعدون هو المستبعد ومن حقه أنّ يرفع بهيهات كما ارتفع به في قوله:
*فهيهات هيهات العقيق وأهله
فما هذه اللام؟ أجيب: بأنّ الزجاج قال في تفسيره: البعد لما توعدون فنزل منزلة المصدر، ويصح أنّ تكون اللام لبيان المستبعد ما هو بعد التصويت بكلمة الاستبعاد كما جاءت اللام في هيت لك لبيان المهيت به أو أنّ اللام زائدة للبيان.
فائدة: وقف البزي والكسائي على هيهات الأولى والثانية بالهاء، والباقون بالتاء على المرسوم.
وقولهم: {إن هي} ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه من بيانه، وأصله إن الحياة {إلا حياتنا الدنيا} ثم وضع هي موضع الحياة؛ لأنّ الخبر يدل عليها ويبينها، ومنه هي النفس تتحمل ما حملت، والمعنى: لا حياة إلا هذه الحياة؛ لأنّ إن النافية دخلت على هي التي بمعنى الحياة الدالة على الجنس فنفتها، فوازنت لا التي نفت ما بعدها نفي الجنس {نموت ونحيى} أي: يموت منا من هو موجود وينشأ آخرون بعدهم، وقيل: يموت قوم ويحيا قوم، وقيل: تموت الآباء وتحيا الأبناء، وقيل: في الآية تقديم وتأخير أي: نحيا ونموت لأنهم كانوا ينكرون البعث بعد الموت كما قالوا: {وما نحن بمبعوثين} بعد الموت فكأنه قيل: فما هذا الكلام الذي يقوله؟ فقيل: كذب ثم حصروا أمره في الكذب فقالوا:
{إن} أي: ما {هو إلا رجل افترى} أي: تعمد {على الله} أي: الملك الأعلى {كذباً} فلا يلتفت إليه {وما نحن له بمؤمنين} أي: بمصدقين فيما يخبرنا به من البعث والرسالة، فكأنه قيل: فما قال؟ فقيل:
{قال رب} أيها المحسن إليّ بالرسالة وبإرسالي إليهم وبغيره من أنواع النعم {انصرني} أي: أوقع لي النصر {بما كذبون} فأجابه ربه بأن:
{قال عما قليل} من الزمان وما زائدة وأكدت القلة بزيادتها {ليصبحن} أي: ليصيرنّ {نادمين} أي: على كفرهم وتكذيبهم إذا عاينوا العذاب.
{فأخذتهم الصيحة} أي: صيحة العذاب والهلاك كائنة {بالحق} أي: الأمر الثابت من العذاب الذي لا يمكن مدافعته لهم ولا لغيرهم غير الله تعالى فماتوا، وقيل: صيحة جبريل عليه السلام، ويكون القوم ثمود على الخلاف السابق {فجعلناهم} بسبب الصيحة {غثاء} أي: مطروحين ميتين كما يطرح الغثاء شبهوا في دمارهم بالغثاء وهو حميل السيل مما بلي واسودّ من الورق والعيدان ومنه قوله: {فجعله غثاء أحوى} (الأعلى، 5)
أي: أسود يابساً، ولما كان هلاكهم على هذا الوجه سبباً لهوانهم عبر عنه بقوله تعالى: {فبعداً} أي: هلاكاً وطرداً عن الرحمة {للقوم الظالمين} الذين وضعوا قوّتهم التي كان يجب عليهم بذلها في نصر الرسل في خذلانهم.
تنبيه: يحتمل هذا الدعاء عليهم والإخبار عنهم، ووضع