بآياتنا} أي: ساعين بما أعطيناهم من الفهم في تعجيزها بالمجادلة بما يوحي إليهم أولياؤهم من الشياطين من الشبه {فأولئك} أي: البعداء عن أسباب الكرم {لهم عذاب مهين} أي: شديد بسبب ما سعوا في إهانة آياتنا مريدين إعزاز أنفسهم بمغالبتنا والتكبر عن آياتنا.

فإن قيل: لم أدخل الفاء في خبر الثاني دون الأوّل؟ أجيب: بأن في ذلك تنبيهاً على أنّ إثابة المؤمنين بالجنان تفضل من الله تعالى، وأن عقاب الكافرين مسبب عن أعمالهم، ولذلك قال: {لهم عذاب} ولم يقل: هم في عذاب، ولما كان المؤمنون في حصر مع الكفار رغبهم الله في الهجرة بقوله تعالى:

{والذين هاجروا في سبيل الله} أي: فارقوا أوطانهم وعشائرهم في طاعة الله وطلب مرضاته من مكة إلى المدينة {ثم قتلوا} في الجهاد بعد الهجرة، وقرأ ابن عامر بتشديد التاء والباقون بالتخفيف، وألحق به مطلق الموت فضلاً منه بقوله تعالى: {أو ماتوا} أي: من غير قتل {ليرزقنّهم الله} أي: الجامع لصفات الكمال {رزقاً حسناً} هو رزق الجنة من حين تفارق أرواحهم أشباحهم؛ لأنهم أحياء عند ربهم {وإنّ الله} أي: الملك الأعلى القادر على الإحياء كما قدر على الإماتة {لهو خير الرازقين} فإنه يرزق بغير حساب يرزق الخلق عامة البارّ منهم والفاجر.

فإن قيل: الرازق في الحقيقة هو الله تعالى لا رازق للخلق غيره فكيف قال: {لهو خير الرازقين} ؟ أجيب: بأنّ غير الله يسمى رازقاً على المجاز كقولهم: رزق السلطان الجيش أي: أعطاهم أرزاقهم، وإن كان الرازق في الحقيقة هو الله تعالى، ولما كان الرزق لا يتم إلا بحسن الدار وكان ذلك من أفضل الرزق قال تعالى دالاً على ختام التي قبل:

{ليدخلنّهم مدخلاً يرضونه} هو الجنة يكرمون فيه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولا ينالهم فيها مكروه، وقيل: هو خيمة في الجنة من درّة بيضاء لها سبعون ألف مصراع، وقرأ نافع بفتح الميم أي: دخولاً، أو مكان دخول، والباقون بالضم أي: إدخالاً أو مكان إدخال {وإنّ الله} أي: الذي عمت رحمته وتمت عظمته {لعليم} أي: بمقاصدهم وما عملوا مما يرضيه وغيره {حليم} عما قصروا فيه من طاعته وما فرّطوا في جنبه تعالى، فلا يعاجل أحداً بالعقوبة.

روي أنّ طوائف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبيّ الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله تعالى من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا معك فأنزل الله تعالى هاتين الآيتين

{ذلك} أي: الأمر المقرّر من صفات الله تعالى الذي قصصناه عليك {ومن عاقب} أي: جازى من المؤمنين {بمثل ما عوقب به} ظلماً من المشركين أي: قاتلهم كما قاتلوه في الشهر الحرام {ثم بغي عليه} أي: ظلم بإخراجه من منزله، قال مقاتل: نزلت في قوم من المشركين أتوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من محرم، فقال بعضهم لبعض: إنّ أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام، فاحملوا عليهم فناشدهم المسلمون وكرهوا قتالهم وسألوهم أن يكفوا عن القتال لأجل الشهر الحرام، فأبى المشركون، فقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم، وثبت المسلمون لهم فنصرهم الله تعالى عليهم فذلك قوله تعالى: {لينصرنّه الله} أي: الذي لا كفء له {إنّ الله} أي: الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً {لعفو} عن المؤمنين {غفور} لهم.

فإن قيل: لم سمى ابتداءً فعلهم عقوبة مع أن العقاب من العقب وهو منتف في الابتداء؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015