قال في كتاب اختلاف الحديث القانع هو السائل، والمعتر هو الزائر، وقيل: القانع هو الجالس في بيته المتعفف الذي يقنع بما يعطى ولا يسأل ولا يتعرّض،
والمعتر المعترّض وقيل القانع هو المسكين والمعتر الذي ليس بمسكين، ولا تكون له ذبيحة فيجيء إلى القوم فيتعرّض لهم لأجل لحمهم {كذلك} أي مثل هذا التسخير العظيم الذي وصفناه من نحرها قياماً {سخرناها} بعظمتنا التي لولاها ما كان ذلك {لكم} وذللناها ليلاً ونهاراً مع عظمها وقوّتها تأخذونها منقادة فتعقلونها وتحبسونها ولو شئنا لجعلناها وحشية لم تطق ولم تكن بأعجز من بعض الوحش التي هي أصغر منها جرماً وأقل قوّة {لعلكم تشكرون} إنعامنا عليكم لتعرفوا أنّ ما ذللها لكم إلا الله تعالى، فيكون حالكم حال من يرجو شكره فتوقعوا لشكر بأن لا تحرّموا منها إلا ما حرّم عليكم ولا تحلوا منها إلا ما أحلّ، وتهدوا منها ما حث على إهدائه وتتصرفوا بحسب ما أمركم.
ولما حث تعالى على التقرّب بها مذكوراً اسمه عليها قال تعالى: {لن ينال الله} الذي له صفات الكمال {لحومها} المأكولة {ولا دماؤها} المهراقة أي: لا يرفعان إليه {ولكن يناله التقوى منكم} أي: يرفع إليه منكم العمل الصالح الخالص له مع الإيمان، كما قال تعالى: {والعمل الصالح يرفعه} (فاطر: 10) أي: يقبله وقيل: كان أهل الجاهلية إذ انحروا البدن نضحوا الدماء حول البيت ولطخوه بالدم فلما حج المسلمون أرادوا مثل ذلك فنزلت.
ثم كرّر سبحانه وتعالى التنبيه على عظيم تسخيرها منبهاً على ما أوجب عليهم به بقوله تعالى: {كذلك} أي: التسخير العظيم {سخرها لكم} بعظمته وغناه عنكم {لتكبروا الله على ما هداكم} أي: أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه، كأن تقولوا الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا، فاختصر الكلام بأن ضمن التكبير معنى الشكر وعدّي تعديته.
ثم وعد من امتثل الأمر بقوله تعالى: {وبشر المحسنين} أي: المخلصين فيما يفعلونه ويذرونه كما قال تعالى من قبل {وبشر المخبتين} والمحسن هو الذي يفعل الحسن من الأعمال ويتمسك به فيصير مخبتاً إلى نفسه بتوفير الثواب عليه، وقال ابن عباس: الموحدين. وقوله تعالى:
{إنّ الله} أي: الذي لا كفء له {يدفع عن الذين آمنوا} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وسكون الدال وفتح الفاء والباقون بضم الياء وفتح الدال وبعدها ألف وكسر الفاء أي: يبالغ في الدفع مبالغة من يغالب فيه ولم يذكر الله تعالى ما يدفعه عنهم حتى يكون أعظم وأفخم وأعمّ وإن كان في الحقيقة أنه يدفع بأس المشركين فلذلك قال تعالى بعده {إنّ الله} أي: الذي له صفات الكمال {لا يحب} أي: لا يكرم كما يفعل المحب {كل حوّان} في أمانته {كفور} لنعمته وهم المشركون، قال ابن عباس: خانوا الله فجعلوا معه شريكاً وكفروا نعمه، فنبه بذلك على أنه يدفع عن المؤمنين كيد من هذه صفته وقال مقاتل: يدفع عن الذين آمنوا بمكة حين أمر المؤمنين بالكف عن كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم فاستأذنوا النبيّ صلى الله عليه وسلم في قتلهم سرّاً فنهاهم عن ذلك ثم أذن الله تعالى لهم قتالهم بقوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون} أي: المشركين والمأذون فيه وهو في القتال محذوف لدلالة يقاتلون عليه {بأنهم} أي بسبب أنهم {ظلموا} فكانوا يأتونه صلى الله عليه وسلم بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزلت وهي أوّل