أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهمّ منك وإليك ثم علل الذكر بالنعمة تنبيها على التفكر فيها فقال تعالى: {على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} فوجب شكره لذلك عليهم، وفيه تنبيه على أن القربان يجب أن يكون من الأنعام {فإلهكم} أي: الذي شرع هذه المناسك كلها {إله واحد} وإن اختلفت فروع شرائعه، ونسخ بعضها بعضاً، وإذا كان واحداً وجب اختصاصه بالعبادة فلذا قال تعالى: {فله} وحده {أسلموا} أي: انقادوا بجميع طواهركم وبواطنكم في كل ما أمر به أو نهى عنه {وبشر المخبتين} أي: المطيعين المتواضعين من الخبث، وهو المطمئن من الأرض وقيل: هم الذين لا يظلمون، وإذا ظلموا لم ينتصروا.
ثم بين علاماتهم بقوله تعالى: {الذين إذا ذكر الله} أي: الذي له الجلال والجمال {وجلت} أي: خافت خوفاً مزعجاً {قلوبهم} فيظهر عليها الخشوع والتواضع لله تعالى {والصابرين} الذين صار الصبر عادتهم {على ما أصابهم} من الكلف والمصائب ولماكان ذلك قد يشغل عن الصلاة قال تعالى {والمقيمي الصلاة} في أوقاتها والمحافظة عليها، وإن حصل لهم من المشاق بأفعال الحج وغيره ما عسى أن يحصل، ولذلك عبر بالوصف دون الفعل إشارة إلى أنه لا يقيمها على الوجه المشروع مع تلك المشاق والشواغل إلا راسخ في حبها فهم لما تمكن حبها في قلوبهم والخوف من الغفلة عنها كأنهم دائماً في صلاة {ومما رزقناهم ينفقون} في وجوه الخير من الهدايا التي يغالون في أثمانها وغير ذلك إحساناً إلى خلق الله تعالى.
ولما قدّم تعالى الحث على التقرّب بالأنعام كلها وكانت الإبل أعظمها خلقاً وأجلها في أنفسهم أمراً خصها بالذكر فقال تعالى: {والبدن} أي: الإبل المعروفة جمع بدنة كخشب وخشبة وانتصابه بفعل يفسره {جعلناها لكم من شعائر الله} أي: من أعلام دينه التي شرعها الله تعالى وقيل لأنها تُشْعَر وهي أن تطعن بحديدة في سنامها ليعلم بذلك أنها هدي {لكم فيها خير} أي: نفع في الدنيا وثواب في العقبى كما قال ابن عباس دنياً وأخرى، وروى الترمذيّ وحسنه عن عائشة رضي الله تعالى عنه «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من هراقة الدم وأنه ليؤتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها وإنّ الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع إلى الأرض فطيبوا بها نفساً» وروى الدارقطني في السنن عن ابن عباس قال «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد» وعن بعض السلف أنه لم يملك إلا تسعة دنانير فاشترى بها بدنة فقيل له في ذلك فقال سمعت ربي يقول {لكم فيها خير} {فاذكروا اسم الله عليها} أي: على ذبحها بالتكبير حال كونها {صواف} أي قائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى لأنّ البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث {فإذا وجبت جنوبها} أي: سقطت سقوطاً بردت به بزوال أرواحها فلا حركة لها أصلاً، من وجب الحائط وجبة سقط، ووجبت الشمس وجبة غربت، قال ابن كثير وقد جاء في حديث مرفوع ولا تعجلوا النفوس أن تزهق وقوله تعالى {فكلوا منها} أي: إذا كانت تطوّعاً أمر إباحة دفعاً لما قد يظنّ أنه يحرم الأكل منها للأمر بتقريبها لله تعالى: {وأطعموا القانع} أي المتعرّض للسؤال بخشوع وانكسار {والمعتر} أي: السائل وقيل بالعكس وهو قول الشافعيّ رحمه الله تعالى