بما دونه؛ لأنّ الحس مطلق الصوت أو الصوت الخفي كما قاله البغوي، فإذا زادت حروفه زاد معناه، فذكر ذلك بدلاً من مبعدون أو حال من ضميره للمبالغة في إبعادهم عنها {وهم} أي: الذين سبقت لهم منا الحسنى {في ما اشتهت أنفسهم} في الجنة كما قال تعالى: {وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين} (الزخرف، 71)
والشهوة طلب النفس اللذة {خالدون} أي: دائماً أبداً في غاية التنعم وتقديم الظرف للاختصاص والاهتمام به.
فائدة: في هنا مقطوعة من ما ولما كان معنى ذلك أن سرورهم ليس له زوال أكده بقوله تعالى:
{لا يحزنهم الفزع الأكبر} قال الحسن: هو حين يؤمر بالعبد إلى النار، وقال ابن عباس: هو النفخة الأخيرة لقوله تعالى: {ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض} (النمل، 78) ، وقال ابن جريج: هو حين يذبح الموت وينادى: يا أهل النار خلود بلا موت، وقال سعيد بن جبير هو أن تنطبق جهنم، وذلك بعد أن يخرج الله تعالى منها من يريد أن يخرجه {وتتلقاهم} أي: تستقبلهم {الملائكة} قال البغوي: على أبواب الجنة يهنونهم، وقال الجلال المحلي: عند خروجهم من القبور، ولا مانع أنها تستقبلهم في الحالين ويقولون لهم: {هذا يومكم الذي كنتم توعدون} أي: هذا وقت ثوابكم الذي وعدكم ربكم به في الدنيا فأبشروا فيه بجميع ما يسركم، ولما كانت هذه الأفعال على غاية من الأهوال تتشوّف بها النفس إلى معرفة اليوم الذي تكون فيه قال تعالى:
{يوم} أي: تكون هذه الأشياء يوم {نطوي السماء} طياً، فتكون كأنها لم تكن ثم صوّر طيها بما يعرفونه، فقال مشبهاً للمصدر الذي دل عليه الفعل {كطيّ السجلّ} ، واختلف في السجلّ فقال بعضهم: هو الكاتب الذي له العلوّ والقدرة على مكتوبه {للكتاب} أي: القرطاس الذي يكتبه ويرسله إلى أحد، وقال السدّي: هو ملك يكتب أعمال العباد، وقيل: كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم والكتاب على هذه الأقوال اسم للصحيفة المكتوب فيها، وقال ابن عباس ومجاهد والأكثرون: السجل الصحيفة والمعنى كطيّ الصحيفة على مكتوبها، والطي هو الدرج، وهو ضدّ النشر، وإنما وقع هذا الاختلاف؛ لأن السجل يطلق على الكتاب وعلى الكاتب قاله في القاموس، وقرأ حفص وحمزة والكسائي بضم الكاف والتاء على الجمع، والباقون بكسر الكاف وفتح التاء، وبين الكاف والتاء ألف على الإفراد، فقراءة الإفراد لمقابلة لفظ السماء والجمع للدلالة على أن المراد الجنس، فجميع السموات تطوى.
روي عن ابن عباس أنه قال: يطوي الله تعالى السموات السبع بما فيها من الخليقة والأرضين السبع بما فيها من الخليقة يطوي ذلك كله بيمينه أي بقدرته، حتى يكون ذلك بمنزلة خردلة، وروي عن ابن عباس أنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: «أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً أي: غير مختونين» {كما بدأنا أوّل خلق نعيده} أي: كما بدأناهم في بطون أمهاتهم عراة غرلاً غير مختونين نعيدهم يوم القيامة؛ نظيره قوله تعالى: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرّة} (الأنعام، 94)
{وعداً} وأكد ذلك بقوله تعالى {علينا} وزاده بقوله تعالى: {إنّا كنّا} أي: أزلاً وأبداً على حالة لا تحول {فاعلين} أي: شأننا أن نفعل ما نريد لا كلفة علينا في شيء من ذلك، ثم إنه تعالى حقق ذلك بقوله تعالى:
{ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} قال سعيد بن جبير ومجاهد الزبور جميع