{آلهة} أي: كما زعمتم {ما وردوها} أي: ما دخل الأوثان وعابدوها النار، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بإبدال الهمزة الثانية ياءً خالصة في الوصل بعد تحقيق الأولى، والباقون بتحقيقهما {وكل} أي: من العابدين والمعبودين {فيها} أي: في جهنم {خالدون} لا انفكاك لهم عنها بل يحمى بكل منهم فيها على الآخر فإن قيل: لم قرنوا بآلهتهم؟ أجيب: بأنهم لا يزالون لمقارنتهم في زيادة غم وحسرة حيث أصابهم ما أصابهم بسببهم والنظر إلى وجه العدوّ باب من العذاب؛ لأنهم قدروا أنهم يستشفعون في الآخرة وينتفعون بشفاعتهم، فإذا صادفوا الأمر على عكس ما قدروا لم يكن شيء أبغض إليهم منهم.
فإن قيل: إذا عنيت بما تعبدون الأوثان فما معنى قوله تعالى:
{لهم فيها زفير} أي: تنفس عظيم على غاية من الشدّة والمد تكاد تخرج معه النفس؟ أجيب: بأنهم إذا كانوا هم وأوثانهم في قرن واحد جاز أن يقال لهم: زفير، وإن لم يكن الزافرون إلا هم دون الأوثان للتغليب ولعدم الإلباس {وهم فيها لا يسمعون} شيئاً لشدّة غليانها، وقال ابن مسعود في هذه الآية: إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخرى عليها مسامير من نار فلا يسمعون شيئاً، ولا يرى أحد منهم أنّ أحداً يعذب في النار غيره، وروي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فجلس إليهم، فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليهم إنكم وما تعبدون من دون الله الآية، فأقبل عبد الله بن الزبعري السلمي، فرآهم يتهامسون فقال: فيم خوضكم، فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله: أما والله لو وجدته لخصمته، فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن الزبعري: أأنت قلت ذلك؟ قال: نعم، قال: قد خصمتك ورب الكعبة أليس اليهود عبدوا عزيراً والنصارى عبدوا المسيح، وبنو مليح عبدوا الملائكة، فقال صلى الله عليه وسلم بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك، فأنزل الله تعالى:
{إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} أي: الحكم بالموعدة البالغة في الحسن في الأزل، ومنهم من ذكر سواء أضل بأحد منهم الكفار فأطروه أم لا {أولئك} أي: العالو الرتبة {عنها} أي: جهنم {مبعدون} برحمة الله تعالى لأنهم أحسنوا في العبادة واتقوا، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وفي رواية ابن عباس «أن ابن الزبعرى لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك سكت ولم يجب، فضحك القوم، فنزل قوله تعالى: {ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدّون وقالوا: أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون} ، ونزل في عيسى والملائكة أن الذين سبقت لهم منا الحسنى الآية، وقد أسلم ابن الزبعري بعد ذلك رضي الله تعالى عنه، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم وادّعى جماعة أنّ المراد من الآية الأصنام؛ لأنّ الله تعالى قال: وما تعبدون من دون الله، ولو أراد الملائكة والناس لقال: ومن تعبدون، يروى أن علياً رضي الله تعالى عنه قرأ هذه الآية ثم قال: أنا منهم، وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وابن الجراح، ثم أقيمت الصلاة فقام يجرّ رداءه وهو يقول:
{لا يسمعون حسيسها} أي: حركتها البالغة وصوتها الشديد، فكيف