والأولاد وأعافي زوجك فرجعت إلى أيوب فأخبرته بما قال لها، وما أراها قال: لقد أتاك عدوّ الله ليفتنك عن دينك، ثم أقسم أن الله عافاه ليضربنها مائة جلدة، وعند ذلك قال: مسني الضرّ من طمع إبليس في سجود حرمتي ودعائه إياها وإياي إلى الكفر {وأنت} أي: والحال أنت {أرحم الراحمين} فافعل بي ما يفعل الرحمن بالمضرور، وهذا تعريض بسؤال الرحمة حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة، وذكر ربه بغاية الرحمة، ولم يصرّح فكان ذلك ألطف في السؤال، فهو أجدر بالنوال.
ويحكى أنّ عجوزاً تعرّضت لسليمان بن عبد الملك فقالت: يا أمير المؤمنين مشت جرذان بيتي على العصا، فقال لها: ألطفت في السؤال لا جرم لأردّنّها تثب وثب الفهود، وملأ بيتها حباً، ثم إنّ الله تعالى رحم رحمة امرأة أيوب بصبرها معه على البلاء وخفف عليها، وأراد أن يبر يمين أيوب فأمره أن يأخذ ضغثاً يشتمل على مائة عود صغار، فيضربها به ضربة واحدة كما قال الله تعالى في آية أخرى: {وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث} (ص، 44)
وروي أنّ إبليس اتخذ تابوتاً وجعل فيه أدوية وجلس على طريق امرأة أيوب يداوي الناس فمرت به امرأة أيوب، فقالت: إنّ لي مريضاً أفتداويه قال: نعم ولا أريد شيئاً إلا أن يقول إذا شفيته: أنت شفيتني، فذكرت ذلك لأيوب فقال: هو إبليس قد خدعك وحلف إن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة جلدة، وقال وهب وغيره: كانت امرأة أيوب تعمل للناس وتجيئه بقوته، فلما طال عليه البلاء سئمها الناس فلا يستعملها أحد، فالتمست له يوماً من الأيام ما تطعمه فما وجدت شيئاً، فجزت قرناً من رأسها فباعته برغيف فأتته به، فقال لها: أين قرنك، فأخبرته فحينئذٍ قال: مسني الضرّ، وقال قوم: إنما قال ذلك حين قصد الدود إلى قلبه ولسانه، فخشي أن يمتنع عن الذكر والفكر، وقال حبيب بن أبي ثابت: لم يدع الله تعالى بالكشف حتى ظهرت له ثلاثة أشياء.
أحدها: قدم عليه صديقان حين بلغهما خبره، فجاءا إليه ولم تبق إلا عيناه، ورأيا أمراً عظيماً فقالا: لو كان عند الله لك منزلة ما أصابك هذا.
والثاني: أنّ امرأته طلبت طعاماً.
فلم تجد ما تطعمه، فباعت ذؤابتها، وحملت إليه طعاماً.
والثالث: قول إبليس إني أداويه على أن يقول: أنت شفيتني، وقيل: إن إبليس وسوس إليه أن امرأته زنت، فقطعت ذؤابتها فحينئذٍ عيل صبره، وحلف ليضربنها مائة جلدة، وقيل معناه مسني الضرّ من شماتة الأعداء، وقيل: قال ذلك حين وقعت دودة من فخذه فردّها إلى موضعها، وقال: كلي جعلني الله طعامك، فعضته عضة زاد ألمها على جميع ما قاسى من عض الديدان فإن قيل: إن الله تعالى سماه صابراً، وقد أظهر الشكوى والجزع بقوله: أني مسني الضرّ، ومسني الشيطان بنصب؟ أجيب: بأن هذا ليس بشكاية إنما هو دعاء بدليل قوله تعالى:
{س21ش84/ش86 فَاسْتَجَبْنَا لَهُ? فَكَشَفْنَا مَا بِهِ? مِن ضُرٍّ? وَءَاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ? وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ? كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِى رَحْمَتِنَآ? إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ}
{فاستجبنا له} والجزع إنما هو الشكوى إلى الخلق، وأما الشكوى إلى الله تعالى، فلا يكون جزعاً، ولا ترك صبر، كما قال يعقوب عليه السلام: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} (يوسف، 86)
وقال سفيان بن عيينة من أظهر الشكوى إلى الناس وهو راض بقضاء الله تعالى لا يكون ذلك جزعاً، كما روي «أن جبريل عليه السلام دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تجدك، قال: أجدني مغموماً أجدني مكروباً» ، وقال صلى الله عليه وسلم «لعائشة رضي الله تعالى عنها حين قالت: وارأساه، بل أنا وارأساه» وروي أن امرأة أيوب قالت له يوماً: لو دعوت