الأرض للماء غطاء؟ أين كنت مني يوم رفعت السماء سقفاً في الهواء لا تعلق بسبب من فوقها، ولا يقلها دعم من تحتها؟ هل تبلغ من حكمتك أن تجري نورها أو تسير نجومها، أو يختلف بأمرك ليلها ونهارها؟ أين أنت مني يوم أنبعت الأنهار، وسكرت البحار؟ أبسلطانك حبست أمواج البحار على حدودها أم قدرتك فتحت الأرحام حتى بلغت مدتها؟ أين أنت مني يوم صببت الماء على التراب ونصبت شوامخ الجبال؟ هل تدري على أيّ شيء أرسيتها، أم بأيّ مثقال وزنتها؟ أم هل لك من ذراع تطيق حملها؟ أم هل تدري أين الماء الذي أنزلت من السماء؟ أم هل تدري من أيّ شيء أنشىء السحاب؟ أم هل تدري أين خزانة الثلج؟ أم أين جبال البرد؟ أم أين خزانة الليل بالنهار، وخزانة النهار بالليل؟ وأين خزانة الريح؟ وبأي لغة تتكلم الأشجار؟ من جعل العقول في أجواف الرجال؟ ومن شق الأسماع والأبصار؟ ومن دانت الملائكة لملكه، وقهر الجبارين بجبروته، وقسم الأرزاق بحكمته؟ في كلام كثير يدل على كمال قدرته ذكرها لأيوب.
فقال أيوب عليه الصلاة والسلام: كلّ شأنيّ وكلّ لساني وكل عقلي ورأيي وضعفت قوّتي عن هذا الأمر الذي تعرض لي يا إلهي، قد علمت أن كل الذي ذكرت صنع يدك، وتدبير حكمتك، وأعظم من ذلك وأعجب لو شئت عملت، لا يعجز عنك شيء، ولا تخفى عليك خافية؛ أذلني البلاء يا إلهي، فتكلمت فكان البلاء هو الذي أنطقني، فليت الأرض انشقت بي فذهبت فيها، ولم أتكلم بشيء يسخط ربي وليتني مت بغمي في أشدّ بلائي قبل ذلك، إنما تكلمت حين تكلمت لتعذرني وسكت حين سكت لترحمني كلمة زلت مني فلم أعد قد وضعت يدي على فمي وعضضت على لساني، وألصقت بالتراب خدي أعوذ بك اليوم منك وأستجير بك من جهد البلاء، فأجرني، وأستغيث بك من عقابك فأغثني، وأستعين بك على أمري فأعني، وأتوكل عليك فاكفني، وأعتصم بك فاعصمني، وأستغفرك فاغفر لي فلن أعود لشيء تكرهه مني.
قال الله تعالى: يا أيوب نفذ فيك علمي وسبقت رحمتي غضبي، فقد غفرت لك.
فقال أيوب: {أني} قد {مسّني الضّرّ} بتسليطك الشيطان عليَّ في بدني وأهلي ومالي، وقد طمع الآن في ديني وذلك أنه زين لامرأة أيوب أن تأمره أن يذبح لصنم فإنه يبرأ ثم يتوب، ففطن لذلك، وحلف ليضربنها إن برأ مائة جلدة، وقال وهب: لبث أيوب في البلاء ثلاث سنين، وروي عن أنس يرفعه «أنّ أيوب لبث ببلائه ثمان عشرة سنة» ، وقال كعب سبع سنين، وقال الحسن: مكث أيوب مطروحاً على كناسة لبني إسرائيل سبع سنين وشهراً يختلفون في الدواء ولا يقربه أحد غير امرأته رحمة صبرت معه تحمد الله معه إذا حمد وأيوب مع ذلك لا يفتر عن ذكر الله تعالى والصبر على بلائه، فلما غلب أيوب إبليس ولم يستطع منه شيئاً اعترض امرأته في هيئة ليست كهيئة بني آدم في العظم والجسم والجمال على مركب ليس من مراكب الناس له عظم وبهاء وكمال، فقال لها: أنت صاحبة أيوب هذا الرجل المبتلى؛ قالت: نعم، قال: هل تعرفيني قالت: لا فقال لها أنا إله الأرض، وأنا الذي صنعت بصاحبك لأنه أطاع إله السماء، وتركني فأغضبني، ولو سجد لي سجدة واحدة رددت عليه وعليك كل ما كان من مال وولد، وأراها إياهم ببطن الوادي الذي لقيها فيه؛ قال وهب: وقد سمعت أنه إنما قال لها: لو أن صاحبك أكل طعاماً ولم يسم عليه لعوفي مما به من البلاء، وفي بعض الكتب أن إبليس قال لها: اسجدي لي سجدة حتى أرد عليك المال