عليه {أأنت فعلت هذا} الفعل الفاحش {بآلهتنا يا إبراهيم} .

تنبيه: هنا همزتان مفتوحتان من كلمة فالقرّاء الجميع على تحقيق الأولى، وأمّا الثانية فيسهلها نافع وابن كثير وأبو عمرو، وهشام بخلاف عنه وأدخل بينهما ألفاً قالون وأبو عمرو والباقون بتحقيقهما وعدم الإدخال بينهما.

ثم {قال} إبراهيم متهكماً بهم وملزماً بالحجة {بل فعله كبيرهم} غيرة أن يعبد معه من هو دونه وتقييده بقوله: {هذا} إشارة إلى الذي تركه من غير كسر، ولما أخبرهم ولم يكن أحد رآه حتى يشهد على فعله وكانوا قد أحلوهم بعبادتهم ووضع الطعام لهم محل من يعقل تسبب عنه أمرهم بسؤالهم فقال: {فاسألوهم} أي: عن الفاعل ليخبروكم به وقوله: {إن كانوا ينطقون} أي: على زعمكم أنهم آلهة يضرّون وينفعون فيه تقديم جواب الشرط أي: فإن قدروا على النطق أمكنت عنهم القدرة وإلا فلا، فأراهم عجزهم عن النطق وفي ضمنه أنا فعلت ذلك. روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ثنتين منهن في ذات الله قوله إني سقيم وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، وقوله لسارة: هذه أختي» ، وقال في حديث الشفاعة، ويذكر كذباته أي: إنه لم يتكلم بكلمات صورتها صورة الكذب وإن كان حقاً في الباطن إلا هذه الكلمات، وقيل في قوله: إن سقيم أي: سأسقم، وقيل سقيم القلب أي: مغتم بضلالتكم، وقوله لسارة هذه أختي أي: في الدين وقوله بل فعله كبيرهم هذا؛ روي عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله بل فعله ويقول: معناه بل فعله من فعله، وقوله: كبيرهم هذا مبتدأ وخبر قال البغوي: وهذه التأويلات لنفي الكذب، والأولى هو الأول للحديث فيه، ويجوز أن يكون الله تعالى قد أذن له في ذلك لقصد الصلاح وتوبيخهم والاحتجاج عليهم كما أذن ليوسف عليه السلام حتى نادى مناديه فقال: {أيتها العير إنكم لسارقون} (يوسف، 70)

ولم يكونوا سرقوا، وقال الرازي: الحديث محمول على المعاريض، فإن فيها مندوحة عن الكذب، أي: تسمية المعاريض كذباً لما أشبهت صورتها صورته، وقرأ ابن كثير والكسائي بفتح السين وترك الهمزة، وكذا يفعل حمزة في الوقف والباقون بسكون السين وبعدها همزة مفتوحة، وقيل: الوقف على بل فعله، ثم يبتدىء بقوله: كبيرهم هذا.

ولما اضطرّهم الدليل أن يحققوا أنهم على محض الباطل {فرجعوا إلى أنفسهم} بالتفكر {فقالوا} أي: بعضهم لبعض {إنكم أنتم الظالمون} لكونكم وضعتم العبادة في غير موضعها إلا إبراهيم، فإنه أصاب بإهانتها.

{ثم نكسوا على رؤوسهم} أي: انقلبوا غير مستحبين مما يلزمهم من الإقرار بالسفه إلى المجادلة له بعدما استقاموا بالمراجعة من قولهم نكس المريض إذا عاد إلى حاله الأول، شبّه عودهم إلى الباطل بصورة جعل أسفل الشيء مستعلياً على أعلاه، ثم إنهم قالوا في مجادلتهم عن شركائهم والله {لقد علمت} يا إبراهيم {ما هؤلاء} لا صحيحهم ولا جريحهم {ينطقون} أي: فكيف تأمرنا بسؤالهم؟ ولما تسبب عن قولهم هذا إقرارهم بأنهم لا فائدة فيهم اتجه لإبراهيم عليه السلام الحجة عليهم.

{قال} منكراً عليهم موبخاً لهم {أفتعبدون من دون الله} أي: بدله {ما لا ينفعكم شيئاً} من رزق وغيره لترجوه {ولا يضرّكم} شيئاً إذا لم تعبدوه لتخافوه.

{أفٍ} أي: تباً وقبحاً {لكم ولما تعبدون من دون الله}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015