الباء الموحدة والواو بدل منها والتاء بدل من الواو وفيها مع كونها بدلاً زيادة على التأكيد التعجب {لأكيدن أصنامهم} أي: لأجتهدنّ في كسرها والتأكيد وما في التاء من التعجب من تسهيل الكيد على يده وتأتيه لأنّ ذلك كان أمراً مقنوطاً منه لصعوبته وتعذره ولعمري إنّ مثله صعب متعذر في كل زمان خصوصاً في زمن نمروذ مع عتّوه واستكباره وقوّة سلطانه وتهالكه على نصرة دينه، ولكن إذا الله سنى عقد شيء تيسراً، ولما كان عزمه على إيقاع الكيد في جميع الزمان الذي يقع فيه توليهم في أي جزء تيسر له منه أسقط الجار فقال: {بعد أن تولّوا مدبرين} أي: بعد أن تدبروا منطلقين إلى عيدكم قال مجاهد وقتادة: إنما قال إبراهيم هذا سراً من قومه ولم يسمع ذلك إلا رجل واحد فأفشاه عليه وقال: إنا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم، وقال السدّي: كان لهم في كل سنة مجمع عيد فكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها ثم عادوا إلى منازلهم، فلما كان ذلك العيد قال أبو إبراهيم له: يا إبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا فخرج معهم إبراهيم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال: إني سقيم أشتكي برجلي فلما مضوا نادى في آخرهم وقد بقي ضعفاء الناس تالله لأكيدن أصنامكم فسمعوها منه ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة وهي في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه والأصنام بعضها إلى جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه إلى باب البهو وإذا هم قد جعلوا طعاماً فوضعوه بين يدي الآلهة، وقالوا: إذا رجعنا وقد بركت الأصنام الآلهة عليه أكلنا منه فلما نظر إبراهيم إليهم وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال لهم على طريق الاستهزاء: ألا تأكلون؟ فلما لم يجيبوه قال لهم مالكم لا تنطقون، فراغ عليهم ضرباً باليمين وجعل يكسرهن بفأس في يده حتى لم يبق إلا الصنم الأكبر علق الفأس في عنقه ثم خرج، فذلك قوله عز وجل:
{فجعلهم جذاذاً} أي: فتاتاً وقرأ الكسائي بكسر الجيم والباقون بضمها {إلا كبيراً لهم} فإنه لم يكسره ووضع الفأس في عنقه وقيل ربطه بيده وكانت اثنين وسبعين صنماً بعضها من ذهب وبعضها من فضة وبعضها من حديد ورصاص وخشب وحجر وكان الصنم الكبير من الذهب مكللاً بالجواهر في عينيه ياقوتتان تتقدان {لعلهم} أي: هؤلاء الضلال {إليه} أي: إبراهيم {يرجعون} عند إلزامه بالسؤال فتقوم عليهم الحجة فلما عادوا إلى أصنامهم فوجدوها على تلك الحال {قالوا من فعل هذا} الفعل الفاحش {بآلهتنا إنه لمن الظالمين} حيث وضع الإهانة في غير موضعها فإنّ الآلهة حقها الإكرام لا الإهانة والانتقام
{قالوا} أي: الذين سمعوا قول إبراهيم وتاالله لأكيدنّ أصنامكم {سمعنا فتى} أي: شاباً من الشباب {يذكرهم} أي: يعيبهم ويسبهم {يقال له إبراهيم} أي: هو الذي نظنّ أنه صنع هذا، فلما بلغ ذلك نمروذ الجبار وأشراف قومه
{قالوا فأتوا به} إلى بيت الأصنام {على أعين الناس} أي: جهرة والناس ينظرون إليه نظر الإخفاء معه حتى كأنه ماش على أبصارهم متمكن منها تمكن الراكب على المركوب {لعلهم يشهدون} عليه بأنه الذي فعل بالآلهة هذا الفعل كرهوا أن يأخذوه بغير بينة، وقيل معناه: لعلهم يحضرون عذابه وما يصنع به، فلما أتوا به
{قالوا} منكرين