ذلك اليوم.
وبنى قوله: {وأن يحشروا} للمفعول؛ لأن القصد الجمع لا كونه من معين {الناس} أي: يجتمعوا {ضحى} أي: وقت الضحوة، فيكون أظهر لما يعمل، وأجلى، فلا يأتي الليل إلا وقد قضي الأمر، وعرف المحق من المبطل، ويكثر التحديث بذلك في كل بدو وحضر، ويشيع في جميع أهل الوبر والمدر.
{فتولى} أي: أعرض {فرعون} عن موسى إلى تهيئة ما يريد من الكيد بعد توليه عن الانقياد لأمر الله تعالى {فجمع كيده} أي: مكره وحيلته وخداعه الذي دبره على موسى عليه السلام بجميع من يحصل بهم الكيد، وهم السحرة حشرهم من كل فج، وكان أهل مصر أسحر أهل الأرض وأكثرهم ساحراً، وكانوا في ذلك الزمان أشد اعتناءً بالسحر، وأمهر ما كانوا وأكثر {ثم أتى} للميعاد الذي وقع القرار عليه بمن حشره من السحرة والجنود ومن تبعهم من الناس مع توفر الدواعي على الإتيان للعيد، والنظر إلى تلك المغالبة التي لم يكن مثلها، ولما تشوق السامع إلى ما كان من موسى عليه السلام عند ذلك استأنف تعالى الخبر عنه بقوله تعالى:
{قال لهم} أي: لأهل الكيد والعناد، وهم السحرة وغيرهم {موسى} حين رأى اجتماعهم ناصحاً لهم {ويلكم} يا أيها الناس الذين خلقكم الله تعالى لعبادته {لا تفتروا} أي: لا تتعمدوا {على الله كذباً} بإشراك أحد معه {فيسحتكم} قال مقاتل: يهلككم، وقال قتادة: يستأصلكم {بعذاب} من عنده، وقرأ حفص وحمزة والكسائي بضم الياء، وكسر الحاء من الإسحات، وهو لغة نجد وتميم، والباقون بفتحهما، والسحت لغة الحجاز {وقد خاب من افترى} كما خاب فرعون، فإنه افترى واحتال ليبقى الملك له، فلم ينفعه.
{فتنازعوا} أي: تجاذب السحرة {أمرهم بينهم} لما سمعوا هذا الكلام علماً منهم أنه لا يقدر أن يواجه فرعون بمثله في جمع جنوده وأتباعه، ثم يسلم منه إلا من الله تعالى معه {وأسروَّا النجوى} قال الكلبي: قالوا سراً: إن غلبنا موسى اتبعناه، وقال محمد بن إسحاق: لما قال لهم موسى: لا تفتروا على الله كذباً، قال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر، وبالغوا في إخفاء ذلك، فإن النجوى الإسرار لئلا يظهر فرعون وأتباعه على ذلك، فكأنه قيل: ما قالوا حين انتهى تنازعهم؟ فقيل:
{قالوا} أي السحرة: {إن هذان لساحران} أي: موسى وهارون، وقرأ ابن كثير وحفص بسكون النون من إن، وشدَّدها الباقون، وقرأ أبو عمرو بالياء بعد الذال، والباقون بالألف على لغة من يجعل ألف المثنى لازماً في كل حال، قال أبو حيان: وهي لغة لطوائف من العرب بني الحارث بن كعب، وبعض كنانة وخثعم وزيد وبني النضر وبني الجهيم ومراد وعذرة، وقال شاعرهم:
تزوّد مني بين أذناه ضربة
يريد أذنيه، وقال آخر:
*إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها*
وقيل: تقدير الآية أنه هذان، فحذف الهاء، وذهب جماعة إلى أن حرف أن ههنا بمعنى نعم، أي: نعم هذان، روي أن أعرابياً سأل ابن الزبير شيئاً، فحرمه، فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إنَّ وصاحبها، أي: نعم، وشدَّد ابن كثير النون، فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام، وتزويره خوفاً من غلبتهما، وتثبيطاً للناس عن اتباع موسى وهارون {يريدان} أي بما يقولان من دعوى الرسالة وغيرها {أن يخرجاكم} أيها الناس {من أرضكم} هذه التي ألفتموها، وهي وطنكم خلفاً