والجراد والقمل والضفادع والدم ونتق الجبل {فكذب} بها وزعم أنها سحر {وأبى} أن يسلم، فإن قيل: قوله تعالى: كلها يفيد العموم والله تعالى ما أراه جميع الآيات فإنّ من جملة الآيات ما أظهرها على أيدي الأنبياء قبل موسى عليه السلام وبعده؟ أجيب: بأنّ لفظ الكل وإن كان للعموم قد يستعمل في الخصوص مع القرينة كما يقال: دخلت السوق فاشتريت كل شيء أو يقال: إنّ موسى عليه السلام أراه آياته وعدّد عليه آيات غيره من الأنبياء فكذب فرعون بالكل أو يقال تكذيب بعض المعجزات يقتضي تكذيب الكل فحكى سبحانه وتعالى ذلك على الوجه الذي يلزم ثم كأنه قيل: كيف صنع في تكذيبه وإبائه فقيل:

{قال} حين علم حقيقة ما جاء به موسى وظهوره وخاف أن يتبعه الناس ويتركوه ووهن في نفسه وهناً عظيماً {أجئتنا لتخرجنا من أرضنا} أي: الأرض التي نحن مالكوها ويكون لك الملك فيها فصارت فرائصه ترعد خوفاً مما جاء به موسى لعلمه وإيقانه أنه على الحق وأنّ المحق لو أراد قود الجبال لانقادت له وإن مثله لا يخذل ولا يذل ناصره وأنه غالبه على ملكه لا محالة ثم خيل لأتباعه أن ذلك سحر بقوله {بسحرك يا موسى} فكان ذلك مع ما ألفوه من عادتهم في الضلال صارفاً لهم عن اتباع ما رأوه من البيان ثم أظهر لهم أنه يعارضه بمثل ما أتى به بقوله:

{فلنأتينك بسحر مثله} أي: مثل سحرك يعارضه {فاجعل بيننا وبينك موعداً} أي: من الزمان والمكان {لا نخلفه} أي: لا نجعله خلفنا {نحن ولا أنت} أي: لا نجاوزه ولما كان كل من الزمان والمكان لا ينفك عن الآخر قال: {مكاناً} وآثر ذلك المكان لأجل وصفه بقوله {سوى} أي: عدلاً وقال ابن عباس نصفا تستوي مسافة الفريقين إليه فانظر إلى هذا الكلام الذي زوّقه ونمقه وصنعه بما وقف به قومه عن السعادة واستمرّ يقودهم بعناده حتى أوردهم البحر فأغرقهم ثم في غمرات النار أحرقهم، وقيل: معنى سوى أي: سوى هذا المكان، وقرأ شعبة وابن عامر وحمزة والكسائي بضم السين والباقون بكسرها وأمال شعبة وحمزة والكسائي في الوقف محضة والباقون بالفتح، وقيل: المراد بالموعد الوعد لأنّ الإخلاف لا يلائم الزمان والمكان أي: بل الوعد هو الذي يصح وصفه بالخلف وعدمه وإلى هذا نحا جماعة مختارين له. وردّ عليهم بقوله:

{قال موعدكم يوم الزينة} فإنه لا يطابقه.

تنبيه: يحتمل أنّ قوله: قال موعدكم يوم الزينة أن يكون من قول فرعون فبين الوقت وأن يكون من قول موسى عليه السلام وهذا أظهر كما قال الرازي لوجوه؛ الأوّل: أنه جواب لقول فرعون: {فاجعل بيننا وبينك موعداً} الثاني: وهو أن تعيين يوم الزينة يقتضي إطلاع الكل على ما سيقع فتعيينه إنما يليق بالمحق الذي يعرف أنّ اليد له لا المبطل الذي يعرف أنه ليس معه إلا التلبيس. ثالثها: أن قوله: موعدكم خطاب للجمع فلو جعلناه من فرعون لموسى وهارون لزم إمّا أن نحمله على التعظيم أو أن أقل الجمع اثنان فالأوّل لا يليق بحال فرعون معهما والثاني غير جائز، فإذا جعلناه من موسى عليه السلام استقام الكلام واختلف في يوم الزينة فقال مجاهد وقتادة: النيروز، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: هو يوم عاشوراء، وقيل: كان يوم عيد لهم يتزينون فيه ويجتمعون في كل سنة، وقيل: يوم كانوا يتخذون فيه سوقاً ويتزينون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015