ثالثها: أنّ في مناظرة آدم عليه السلام مع الملائكة ما ظهرت الفضيلة إلا بالنطق حيث قال: {يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض} (البقرة: 33)

ولما رأى موسى عليه السلام أنّ التعاون على الدين والتظاهر عليه مع مخالصة الودّ وزوال التهمة قربة عظيمة في الدعاء إلى الله تعالى طلب المعاونة على ذلك بقوله:

{واجعل لي وزيراً} أي: معيناً على الرسالة ولذلك قال عيسى بن مريم عليه السلام: {من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله} (آل عمران، 52)

وقال محمد صلى الله عليه وسلم «إنّ لي في السماء وزيرين وفي الأرض وزيرين فاللذان في السماء جبريل وميكائيل واللذان في الأرض أبو بكر وعمر» وقال صلى الله عليه وسلم «إذا أراد الله تعالى بملك خيراً قيض له وزيراً صالحاً إن نسي ذكره وإن نوى خيراً أعانه وإن أراد شرّاً كفه» وقال أنوشروان: لا يستغني أجود السيوف عن الصقل ولا أكرم الدواب عن السوط ولا أعلم الملوك عن الوزير. ولما كان التعاون على الدين منقبة عظيمة أراد أن لا تحصل هذه الدرجة إلا لأهله فقال: {من أهلي} أي: أقاربي وقوله:

{هارون} قال الجلال المحلي: مفعول ثان وقوله: {أخي} عطف بيان وذكر غيره أعاريب غير ذلك لا حاجة لنا بذكرها.

تنبيه: الوزير مشتق من الوزر لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنه، أو من الوزر لأنّ الملك يعتصم برأيه ويلجئ إليه أموره، أو من الموازرة وهي المعاونة. قال الرازي: وكان هارون مخصوصاً بأمور منها الفصاحة لقول موسى: {هو أفصح مني لساناً} (القصص، 34)

ومنها الرفق لقول هارون: {يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي} (طه، 94)

أنه كان أكبر سناً منه وقال ابن عادل كان أكبر سناً من موسى بأربع سنين وكان أفصح لساناً منه وأجمل وأوسم أبيض اللون وكان موس آدم اللون أقنى جعدا.

ولما طلب موسى عليه السلام من الله تعالى أن يجعل هارون وزيراً له طلب منه أن يشد أزراره بقوله: {اشدد به أزري} أي: أقوّي به ظهري

{وأشركه في أمري} أي: في النبوّة والرسالة، وقرأ ابن عامر بسكون الياء من أخي وهمزة مفتوحة من أشدد وهو على مرتبته في المدّ وهمزة مضمومة من أشركه وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء من أخي وهمزة وصل من اشدد وأشركه بهمزة مفتوحة والباقون بسكون الياء من أخي وهمزة وصل من أشدد وفتح الهمزة من أشركه ثم إنه تعالى حكى عنه ما لأجله دعا بهذا الدعاء فقال:

{كي نسبحك} تسبيحاً {كثيراً} قال الكلبي: نصلي لك كثيراً نحمدك ونثني عليك والتسبيح تنزيه الله تعالى في ذاته وصفاته عما لا يليق به.

{ونذكرك} ذكراً {كثيراً} أي: نصفك بصفات الكمال والجلال والكبرياء وجوّز أبو البقاء أن يكون كثيراً نعتاً لزمان محذوف أي: زماناً كثيراً.

{إنك كنت بنا بصيراً} أي: عالماً بأنّا لا نريد بهذه الطاعات إلا وجهك ورضاك أو بصيراً بأنّ الاستعانة بهذه الأشياء لأجل حاجتي في النبوّة إليها أو بصيراً بوجوه مصالحنا فأعطنا ما هو الأصلح لنا. ولما سأل موسى عليه السلام ربه تلك الأمور المتقدّمة وكان من المعلوم أنّ قيامه بما كلف به لا يتم إلا بإجابته إليها لا جرم

{قال} الله تعالى: {قد أوتيت سؤلك يا موسى} أي: أعطيت جميع ما سألته منا عليك لما فيه من وجوه المصالح

{ولقد مننا عليك مرّة أخرى} أي: أنعمنا عليك في وقت آخر وفي ذلك تنبيه على أمور أحدها: كأنه تعالى قال: إني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015