وعوّضه الله أولاداً كما قال تعالى {وهبنا له} كما هو الشأن في كل من ترك شيئاً لله {إسحاق} ولداً له لصلبه من زوجته العاقر العقيم بعد تجاوزها سنّ اليأس وأخذه هو في السنّ إلى حد لا يولد لمثله {ويعقوب} ولداً لإسحاق وخصهما بالذكر للزومهما محل إقامته وقيامهما بعد موته بخلافته فيه وأمّا إسماعيل عليه السلام فكان الله سبحانه وتعالى هو المتولي لتربيته بعد نقله رضيعاً إلى المسجد الحرام وإحيائه تلك المشاعر العظام فأفرده بالذكر جاعلاً له أصلاً برأسه بقوله بعد {واذكر في الكتاب إسماعيل} فترك ذكره مع إسحاق الذي هو أخوه لذلك ثم صرح بما وهب لأولاده جزاءً على هجرته بقوله تعالى: {وكلاً} أي: منهما {جعلنا نبياً} عالي المقدار ويخبر بالأخبار العظيمة كما جعلنا إبراهيم عليه السلام نبياً
{ووهبنا لهم} كلهم {من رحمتنا} أي: شيئاً منها عظيماً من النسل الطاهر والذرّية الطيبة وإجابة الدعاء واللطف في القضاء والبركة في المال والأولاد وغير ذلك من خيري الدنيا والآخرة {وجعلنا لهم لسان صدق علياً} وهو الثناء الحسن وعبر باللسان عما يوجد باللسان كما عبر باليد عما يطلق باليد وهو العطية واستجاب الله تعالى دعوته في قوله تعالى: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} (الشعراء، 84)
فصيره قدوة حتى ادعاه أهل الأديان كلهم فقال تعالى: {ملة أبيكم إبراهيم} (الحج، 87)
وقد اجتمعت فيه خصال لم تجتمع في غيره أوّلها أنه اعتزل عن الخلق على ما قال {وأعتزلكم وما تدعون من دون الله} فلا جرم بارك الله له في أولاده فقال: {ووهبنا له إسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبياً} . ثانيها: أنه تبرأ من أبيه كما قال عز وجل {فلما تبين له أنه عدوّ لله تبرّأ منه} (التوبة، 114)
لا جرم سماه الله أبا المسلمين فقال: ملة أبيكم إبراهيم ثالثها: تلّ ولده للجبين ليذبحه في الله على ما قال تعالى: {وتله للجبين} (الصافات، 103)
لا جرم فداه الله تعالى على ما قال {وفديناه بذبح عظيم} (الصافات، 107)
. رابعها: أسلم نفسه فقال: {أسلمت لرب العالمين} فجعل الله تعالى النار برداً وسلاماً عليه فقال: {يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم} (الأنبياء، 69)
خامسها: أشفق على هذه الأمّة فقال: {ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم} (البقرة، 129)
لا جرم أشركه الله تعالى في الصلوات في قوله: {كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم} سادسها: وفي حق سارة في قوله تعالى: {وإبراهيم الذي وفى} (النجم، 37)
لا جرم جعل موطئ قدميه مباركاً {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} (البقرة، 125)
سابعها: عادى كل الخلق في الله فقال فإنهم عدوّ لي إلا رب العالمين فاتخذه الله خليلاً كما قال: {واتخذ الله إبراهيم خليلاً} (النساء، 125)
ليعلم صحة قولنا ما خير على الله أحداً.
القصة الرابعة قصة موسى عليه السلام المذكورة في قوله تعالى
{واذكر في الكتاب} أي: الذي لا كتاب مثله في الكمال {موسى} أي: الذي أنقذ الله به بني إسرائيل من العبودية ثم إنّ الله تعالى وصفه بأمور أحدها قوله تعالى: {إنه كان مخلصاً} قرأه عاصم وحمزة والكسائي بفتح اللام أي: مختاراً اختاره الله تعالى واصطفاه وقيل أخلصه الله تعالى من الدنس والباقون بالكسر أي: أخلص التوحيد لله والعبادة ومتى ورد القرآن بقراءتين فكل منهما ثابت مقطوع به فجعل الله تعالى من صفة موسى عليه السلام كلا الأمرين. ثانيها: قوله تعالى: {وكان رسولاً} إلى بني إسرائيل والقبط {نبياً} ينبئه الله بما يريد من وحيه لينبئ به المرسل إليهم فيرتفع بذلك قدره فلذلك صرح بها بعد دخولها في الرسالة ضمناً إذ كل رسول نبيّ وليس