ابن عادل: وهذا هو الظاهر لأنه لا تخصيص فيه ويؤيده قوله تعالى: {فويل للذين كفروا} أي: شدّة عذاب لهم {من مشهد يوم عظيم} أي: حضور يوم القيامة وأهواله وقوله تعالى:
{أسمع بهم وأبصر} أي: بهم، صيغتا تعجب بمعنى ما أسمعهم وما أبصرهم {يوم يأتوننا} في الآخرة لأنّ حالهم في شدّة السمع والبصر جديرة بأن يتعجب منها فيندمون حيث لا ينفعهم الندم ويتمنون المحال من الرجوع إلى الدنيا ليتداركوا فلا يجابون إلى ذلك بل يسلك بهم في كل ما يؤذيهم ويهلكهم ويرديهم وقوله تعالى: {لكن الظالمون} من إقامة الظاهر مقام المضمر إشعاراً بأنهم ظلموا أنفسهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر والأصل ولكنهم {اليوم} أي: في الدنيا {في ضلال مبين} أي: بين بذلك الضلال صموا عن سماع الحق وعموا عن إبصاره أي: اعجب منهم يا مخاطب في سمعهم وإبصارهم في الآخرة بعد أن كانوا في الدنيا صماً وعمياً، وقيل: معناه التهديد بما سيسمعونه وسيبصرون ما يسوءهم ويصدع قلوبهم ثم إنّ الله تعالى أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن ينذر قومه بقوله:
{وأنذرهم} أي: خوّفهم {يوم الحسرة} هو يوم القيامة يتحسر فيه المسيء على ترك الإحسان والمحسن على عدم الازدياد من الإحسان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من أحد يموت إلا ندم قالوا وما ندمه يا رسول الله قال إن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون نزع» وفي قوله تعالى: {إذ قضى الأمر} وجوه:
أحدها: إذ قضى الأمر ببيان الدلائل وشرح أمر الثواب والعقاب.
ثانيها: إذ قضى الأمر يوم الحسرة بفناء الدنيا وزوال التكليف.
ثالثها: قضى الأمر فرغ من الحساب وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وذبح الموت كما روى أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: {إذ قضي الأمر} فقال: «حين يجاء بالموت على صورة كبش أملح فيذبح والفريقان ينظران فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرح وأهل النار غماً إلى غم» وقوله تعالى: {وهم في غفلة وهم لا يؤمنون} جملتان حاليتان وفيهما قولان؛ أحدهما: أنهما حالان من الضمير المستتر في قوله في ضلال مبين أي: استقرّوا في ضلال مبين على هاتين الحالتين السيئتين، والثاني: أنهما حالان من مفعول أنذرهم أي: أنذرهم على هذه الحالة وما بعدها وعلى الأوّل يكون قوله وأنذرهم اعتراضاً والمعنى وهم في غفلة عما يفعل بهم في الآخرة وهم لا يصدّقون بذلك اليوم ولما كان الإرث هو حوز الشيء بعد موت أهله وكان سبحانه وتعالى قد قضى بموت الخلائق أجمعين وأنه تعالى يبقى وحده عبّر عن ذلك بالإرث مقرّراً به مضمون الكلام السابق فقال مؤكداً تكذيباً لقولهم: إنّ الدهر لا يزال هكذا حياة لناس وموت لآخرين
{إنّا نحن} بعظمتنا التي اقتضت ذلك {نرث الأرض} فلا ندع بها شيئاً من عاقل ولا غيره ولما كان العاقل أقوى من غيره صرح به بعد دخوله فقال {ومن عليها} أي: من العقلاء بأن نسلبهم جميع ما في أيديهم {وإلينا} لا إلى غيرنا {يرجعون} فنجازيهم بأعمالهم.
القصة الثالثة: قصة إبراهيم عليه السلام المذكورة في قوله تعالى:
{واذكر في الكتاب إبراهيم} أي: خبره وقرأ هشام إبراهام بألف بعد الهاء والباقون بالياء وإنما أمر الله تعالى نبيه بالذكر لذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان هو ولا قومه ولا أهل بلده مشتغلين بالتعليم ومطالعة الكتب فإذا أخبر