لقوله تعالى: {سلام على نوح} (الصافات، 79)
{سلام على إبراهيم} (الصافات، 109)
لأنه تعالى قال يوم ولد وليس كذلك سائر الأنبياء.
الثالث: روي أن عيسى عليه السلام قال ليحيى عليه السلام: أنت أفضل مني لأن الله تعالى قال: سلام عليه وأنا سلمت على نفسي، قال الرازي: وهذا ليس بقوي لأن سلام عيسى على نفسه يجري مجرى سلام الله تعالى على يحيى لأن عيسى معصوم لا يفعل إلا ما أمر الله تعالى انتهى ولكن بين السلامين مزية.
تنبيه: هذه القصة قد ذكرت في آل عمران بقوله تعالى: {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً} (آل عمران، 37)
إلى أن قال: {هنالك دعا زكريا ربه قال: رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء فنادته الملائكة وهو قائم} (آل عمران، 38)
لأن زكريا عليه السلام لما رأى خرق العادة في حق مريم طمع في حق نفسه فدعا وقد وقعت المخالفة في ذكر ما هنا وهناك في الألفاظ من وجوه، الأول منها: أن الله تعالى صرّح في آل عمران بأن المنادي هو الملائكة بقوله تعالى: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب} (آل عمران، 39)
وفي هذه السورة الأكثر على أن المنادي بقوله يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى هو الله تعالى وأجيب: بأن الله تعالى هو المبشر سواء كان بواسطة أم لا، الثاني: أنه قال تعالى في آل عمران: {أنّى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر} (آل عمران، 40)
فذكر أولاً كبر سنه ثم عقر امرأته، وفي هذه السورة قال: {أنّى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتياً} ، وأجيب بأن الواو لا تقتضي الترتيب، الثالث: قال في آل عمران وقد بلغني الكبر، وقال هنا: وقد بلغت من الكبر عتياً وأجيب بأن ما بلغك فقد بلغته، الرابع: قال في آل عمران: {آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً} ، وقال هنا: ثلاث ليال سوياً وأجيب بأن الآيتين دلتا على أن المراد ثلاثة أيام بلياليهنّ كما مرّ.
القصة الثانية قصة مريم وابنها عيسى عليهما السلام ولما كانت قصة عيسى عليه السلام أغرب من قصة يحيى لأن خلق الولد من شخصين فانيين أقرب إلى مناهج العادات من خلق الولد لا من أب البتة وأحسن طرق التعليم والفهم الأخذ من الأقرب فالأقرب مرتقياً إلى الأصعب فالأصعب، أشار إلى ذلك بتغيير السياق فقال عاطفاً على ما تقديره اذكر هذا لهم
{واذكر} بلفظ الأمر {في الكتاب} أي: القرآن {مريم} أي: قصتها وهي ابنة عمران خالة يحيى كما في الصحيح من حديث أنس بن مالك بن صعصعة الأنصاري في حديث الإسراء «فلما خلصت فإذا بيحيى وعيسى وهما ابنا خالة» ثم أبدل من مريم بدل اشتمال فقال: {إذ} أي: اذكر ما اتفق لها حين {انتبذت} أي: كلفت نفسها أن اعتزلت وانفردت {من أهلها} حالة {مكاناً شرقياً} أي: شرقي بيت المقدس. وقال الرازي: شرقي دارها، وعن ابن عباس إني لأعلم خلق الله تعالى لأي شيء اتخذت النصارى الشرق قبلة لقوله تعالى: {مكاناً شرقياً} فاتخذت ميلاد عيسى قبلة، واقتصر الجلال المحلي على الشرق من الدار وتردّد البيضاوي بينهما فقال: شرقيّ بيت المقدس أو شرقي دارها انتهى، ويحتمل أن يكون شرقي بيت المقدس هو شرقي دارها فلا مخالفة
{فاتخذت} أي: أخذت بقصد وتكلف ودل على قرب المكان بالإتيان بالجارّ فقال: {من دونهم} أي: أدنى مكان من مكانهم {حجاباً} أي: أرسلت ستراً تستتر به لغرض صحيح وليس بمذكور، واختلف المفسرون فيه على وجوه:
أحدها: