بيحيى، قال الجلال المحلي: وبعد ولادته بسنين قال الله تعالى له:
{يا يحيى خذ الكتاب} أي: التوراة {بقوة} أي: جدّ ثم إن الله تعالى وصفه بصفات الأولى قوله تعالى: {وآتيناه الحكم} قال ابن عباس النبوّة {صبياً} قال الجلال المحلي: تبعاً للبغوي ابن ثلاث سنين أي: أحكم الله عقله في صباه واستنبأه وقيل المراد بالحكم الحكمة وفهم التوراة فقرأ التوراة وهو صغير. قال البغوي: وعن بعض السلف من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو ممن أوتي الحكم صبياً. الصفة الثانية قوله تعالى:
{وحناناً} أي: وآتيناه رحمة وهيبة ووقاراً ورقة قلب ورزقاً وبركة {من لدنّا} أي: من عندنا بلا واسطة تعليم ولا تجربة. الصفة الثالثة قوله تعالى: {وزكاة} أي: وآتيناه طهارة في دينه، قال ابن عباس: يعني بالزكاة الطاعة والإخلاص، وقال قتادة: هي العمل الصالح، وقال الكلبي: يعني صدقة تصدّق الله بها على أبويه. الصفة الرابعة قوله تعالى: {وكان} أي: جبلة وطبعاً {تقياً} أي: مخلصاً مطيعاً، روي أنه لم يعمل خطيئة ولم يهمّ بها. الصفة الخامسة قوله تعالى:
{وبراً بوالديه} أي: بارّاً لطيفاً بهما محسناً إليهما لأنه لا عبادة بعد تعظيم الله تعالى أعظم من برّ الوالدين يدل عليه قوله تعالى: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحساناً} (الإسراء، 23)
. الصفة السادسة قوله تعالى {ولم يكن جباراً} أي: متكبراً والمراد وصفه بالتواضع ولين الجانب وذلك من صفات المؤمنين قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {واخفض جناحك للمؤمنين} (الحجر، 88) ، وقال تعالى: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} (آل عمران، 159)
ولأن رأس العبادة معرفة الإنسان نفسه بالذل ومعرفة ربه بالعظمة والكمال ومن عرف نفسه بالذل وعرف ربه بالكمال كيف يليق به التجبر والترفع ولذلك لما تجبر إبليس وتمرد صار مبعداً عن رحمة الله تعالى وعن المؤمنين، وقيل: الجبار هو الذي لا يرى لأحد على نفسه حقاً وهو من التعظيم والذهاب بنفسه من أنه لا يلزمه قضاء حق لأحد، وقيل: هو كل من عاقب على غضب نفسه. الصفة السابعة قوله تعالى: {عصياً} أي: عاقاً أو عاصي ربه وهو أبلغ من العاصي كما أن العليم أبلغ من العالم. الصفة الثامنة قوله تعالى:
{وسلام عليه} منا {يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً} . فإن قيل: لم خص هذه الأوقات الثلاثة؟ أجيب: بوجوه:
الأول: قال محمد بن جرير الطبري: وسلام عليه يوم ولد أي: أمان من الله تعالى عليه يوم ولد من أن يناله الشيطان كما ينال سائر بني آدم ويوم يموت أي: أمان من الله من عذاب القبر، ويوم يبعث أي: ومن عذاب الله يوم القيامة.
الثاني: قال ابن عيينة أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن؛ يوم ولد فيرى نفسه خارجاً مما كان فيه ويوم يموت فيرى قوماً ما شاهدهم قط ويوم يبعث فيرى في محشر عظيم، فأكرم الله تعالى يحيى عليه السلام فخصه بالسلام في هذه المواطن.
الثالث: قال عبد الله بن نفطوية: وسلام عليه يوم ولد أي: أوّل ما يرى في الدنيا ويوم يموت أي: أول يوم يرى فيه أمر الآخرة، ويوم يبعث حياً أي: أول يوم يرى فيه الجنة والنار وهو يوم القيامة وإنما قال: حياً تنبيهاً على كونه من الشهداء لأنه قتل، وقد قال تعالى {أحياء عند ربهم يرزقون} (آل عمران، 169)
فروع: الأول: هذا السلام يمكن أن يكون من الله وأن يكون من الملائكة وعلى التقديرين ففيه دلالة على تشريفه لأن الملائكة لا يسلمون إلا عن أمر الله تعالى.
الثاني: ليحيى مزية في هذا السلام على ما لسائر الأنبياء