هو ذلك السؤال، ثم قال الله تعالى: {قل} أي: لهؤلاء المتعنتين {سأتلو} أي: أقص قصاً متتابعاً في مستقبل الزمان أعلمني الله تعالى به {عليكم} أي: أيها البعداء، والضمير في قوله تعالى: {منه} لذي القرنين وقيل لله تعالى {ذكراً} أي: خبراً كافياً لكم في تعرّف أمره جامعاً لمجامع ذكره
{إنا مكنا له في الأرض} أي: مكنا له أمره من التصرّف فيها مكنة يصل بها إلى جميع مسالكها ويظهر بها على سائر ملوكها {وآتيناه} بعظمتنا {من كل شيء} يحتاج إليه في ذلك {سبباً} أي: وصله توصله إليه من العلم والقدرة والآلة
{فأتبع سبباً} أي: سلك طريقاً نحو المغرب قال البقاعي: ولعله بدأ به لأن باب التوبة فيه، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمر واتبع في المواضع الثلاثة بتشديد التاء الفوقية ووصل الهمزة قبل الفوقية والباقون بقطع الهمزة وسكون التاء الفوقية واستمرّ متبعاً له
{حتى إذا بلغ} في ذلك السير {مغرب الشمس} أي: موضع غروبها {وجدها تغرب في عين حمئة} أي: ذات حمأة وهي الطين الأسود أي: بلغ موضعاً في الغرب لم يبق بعده شيء من العمران وجد الشمس كأنها تغرب في وهدة مظلمة وغروبها في رأي العين كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغرب في البحر إذا لم ير الشط وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر وإلا فهي أكبر من الأرض مرّات كثيرة فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض، قال البيضاوي: ولعله بلغ ساحل المحيط فرأى ذلك إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء ولذلك قال: وجدها تغرب ولم يقل كانت تغرب، وقرأ شعبة وحمزة والكسائي وابن عامر بألف بعد الحاء وياء مفتوحة بعد الميم. عن أبي درّ قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال: أتدري يا أبا ذرّ أين تغرب هذه؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: فإنها تغرب في عين حمئة، وقرأ الباقون بغير ألف بعد الحاء وبعد الميم همزة مفتوحة، واتفق أن ابن عباس كان عند معاوية فقرأ معاوية حامية فقال ابن عباس: حمئة فقال معاوية لعبد الله بن عمر: كيف تقرأ قال: كما يقرأ أمير المؤمنين ثم وجه إلى كعب الأحبار وسأله كيف تجد الشمس تغرب؟ قال: في ماء وطين كذلك نجده في التوراة {ووجد عندها} أي: عند تلك العين على الساحل المتصل بها {قوماً} أي: أمة، قال ابن جريج: مدينة لها اثنا عشر ألف باب لولا ضجيج أهلها لسمعت وجبة الشمس حين تجب أي: تغرب، قيل: كان لباسهم جلود الوحش وطعامهم ما يلفظه البحر كانوا كفاراً فخيره الله تعالى بين أن يعذبهم أو يدعوهم إلى الإيمان كما حكى ذلك بقوله تعالى: {قلنا يا ذا
القرنين} إما بوّاسطة الملك إن كان نبياً أو بواسطة نبي زمانه إن لم يكن أو باجتهاد في شريعته {إمّا أن تعذب} بالقتل على كفرهم {وإمّا أن تتخذ} أي: بغاية جهدك {فيهم حسناً} بالإرشاد وتعليم الشرائع، وقيل: خيره بين القتل والأسر وسماه حسناً في مقابلة القتل ويؤيد الأوّل قوله {قال أمّا من ظلم} باستمراره على الكفر فإنا نرفق به حتى نيأس منه ثم نقتله وإلى ذلك أشار بقوله: {فسوف نعذبه} بوعد لا خلف فيه بعد طول الدعاء والترفق، وقال قتادة كان يطبخ من كفر في القدور وهو العذاب المنكر {ثم يردّ إلى ربه} في الآخرة {فيعذبه عذاباً نكراً} أي: شديداً جداً في النار وتقدّم في نكراً سكون الكاف وضمها
{وأما من آمن وعمل صالحاً} تصديقاً لما أخبر به من تصديقه