القرآن. ونزل في عيينة بن حصن الفزاري لما أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم وعنده جماعة من الفقراء فيهم سلمان الفارسي وعليه شملة قد عرق فيها وبيده خوص يشقه ثم ينسجه فقال له: أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها فإن أسلمنا أسلم الناس وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء، أي: كما قال قوم نوح: {أنؤمن لك وأتبعك الأرذلون} (الشعراء، 111)

فنحهم حتى نتبعك أو اجعل لنا مجلساً واجعل لهم مجلساً.

{واصبر نفسك} ، أي: احبسها وثبتها {مع الذين يدعون ربهم} ونظير هذه الآية قد سبق في سورة الأنعام وهو قوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه} (الأنعام، 52)

ففي تلك الاية نهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن طردهم، وفي هذه الآية أمره بمجالستهم والمصابرة معهم وفي قوله تعالى: {بالغداة والعشيّ} وجوه الأوّل: أنهم مواظبون على هذا العمل في كل الأوقات كقول القائل ليس لفلان عمل بالغداة والعشيّ إلا شتم الناس. الثاني: المراد صلاة الفجر والعصر. الثالث: أنّ المراد الغداة وهو الوقت الذي ينتقل فيه الإنسان من النوم إلى اليقظة، وهذا الانتقال شبيه بالانتقال من الموت إلى الحياة، والعشيّ هو الوقت الذي ينتقل الإنسان فيه من الحياة إلى الموت ومن اليقظة إلى النوم، والإنسان العاقل يكون في هذين الوقتين كثير الذكر لله تعالى عظيم الشكر لآلاء الله ونعمائه وقرأ ابن عامر بضم الغين المعجمة وسكون الدال وبعدها واو مفتوحة والباقون بفتح الغين والدال وألف بعدها والرسم في المصحف بالواو هنا وفي سورة الأنعام.

{يريدون} بعبادتهم {وجهه} تعالى، أي: رضاه وطاعته لا شيئاً من أعراض الدنيا {ولا تعد} ، أي: تنصرف {عيناك عنهم} إلى غيرهم وعبر بالعينين عن صاحبهما فنهى صلى الله عليه وسلم أن يصرف بصره ونفسه عنهم لأجل رغبته في مجالسة الأغنياء لعلهم يؤمنون وقوله تعالى: {تريد زينة الحياة الدنيا} في موضع الحال، أي: إنك إن فعلت ذلك لم يكن إقدامك عليه إلا لرغبتك في زينة الحياة الدنيا. ولما بالغ تعالى في أمره في مجالسة الفقراء من المسلمين بالغ في النهي عن الالتفات إلى أقوال الأغنياء والمتكبرين بقوله تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} ، أي: جعلنا قلبه غافلاً عن ذكرنا، أي: عيينة بن حصن وقيل أمية بن خلف {واتبع هواه} ، أي: في طلب الشهوات {وكان أمره فرطاً} ، أي: إسرافاً وباطلاً، وهذا يدل على أنّ أشرّ أحوال الإنسان أن يكون قلبه خالياً عن ذكر الحق ويكون مملوءاً من الهوى الداعي إلى الاشتغال بالخلق، لأنّ ذكر الله تعالى نور وذكر غيره ظلمة لأنّ الوجود طبيعة النور والعدم منبع الظلمة والحق تعالى واجب الوجود لذاته فكان النور الحق هو الله تعالى وما سواه فهو ممكن الوجود لذاته والإمكان طبيعة عدمية فكان منبع الظلمة فالقلب إذا أشرق فيه ذكر الله تعالى فقد حصل فيه النور والضوء والإشراق وإذا توجه القلب إلى الخلق فقد حصل فيه الظلم والظلمة بل الظلمات فلهذا السبب إذا أعرض القلب عن الحق وأقبل على الخلق فهو الظلمة الخالصة التامّة والإعراض عن الحق هو المراد بقوله تعالى: {أغفلنا قلبه عن ذكرنا} والإقبال على الخلق هو المراد بقوله تعالى: {واتبع هواه} .

روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنت جالساً في عصابة من ضعفاء المهاجرين وأنّ بعضهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015