بدعوى الولاية وعلى القول بالجواز الفرق بينهما أنّ النبيّ يدّعي المعجزة ويقطع بها والوليّ إذا ادّعى الكرامة لا يقطع بها لأنّ المعجز يجب ظهوره، والكرامة لا يجب ظهورها، وأجيب عن الثاني بأنّ قوله تعالى: {وتحمل أثقالكم} إلى آخره محمول على المعهود المتعارف، وكرامات الأولياء أحوال نادرة فتصير كالمستثنيات من ذلك العموم المتعارف، وأجيب عن الثالث بأنّ التمسك بالأمور النادرة لا يعول عليه في الشرع فلا ينافي ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «البينة على المدّعي» . ومع هذا فصاحب الكرامة يجب عليه أن يكون خائفاً وجلاً ولهذا قال المحققون: أكثر ما حصل الانقطاع عن حضرة الله إنما وقع في مقام الكرامات فلا جرم ترى المحققين يخافون من الكرامات كما يخافون من أشدّ أنواع البلاء.
والذي يدل على أنّ الاستئناس بالكرامة قاطع عن الطريق وجوه: الأوّل: أنّ الكرامات أشياء مغايرة للحق سبحانه وتعالى فالفرح بالكرامة فرح بغير الحق والفرح بغير الحق حجاب والمحجوب عن الحق كيف يليق به الفرح والسرور. الوجه الثاني: أنّ من اعتقد في نفسه أنه صار مستحقاً للكرامة بسبب عمله حصل لعمله وقع عظيم في قلبه، ومن كان لعمله وقع عظيم في قلبه كان جاهلاً إذ لو عرف ربه لعلم أنّ كل طاعات الخلق في جنب جلاله تقصير وكل شكر في جنب آلائه ونعمائه قصور وكل معارفهم وعلومهم فهي في مقابلة عزته حيرة وجهل.
وجدت في بعض الكتب أنه قرئ في مجلس الأستاذ أبي علي الدقاق قوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} (فاطر، 10)
فقال: علامة أنّ الحق رفع عملك أن لا يبقى عندك مرتقى عملك في نظرك، فإن بقي عملك في نظرك فهو غير مرفوع وإن لم يبق عملك في نظرك فهو مرفوع مقبول. الوجه الثالث: أنّ صاحب الكرامة إنما وجد الكرامة لإظهار الذل والتضرّع في حضرة الله تعالى، فإذا ترفع وتكبر وتجبر بسبب الكرامات فقد بطل ما به وصل إلى الكرامات فهذا طريق يؤدّي ثبوته إلى عدمه فكان مردوداً ولهذا المعنى لما ذكر صلى الله عليه وسلم مناقب نفسه وفضائلها كان يقول في آخر كل واحد منها ولا فخر، أي: لا أفخر بهذه الكرامات، وإنما أفخر بالمكرم والمعطي. الوجه الرابع: أنه تعالى وصف عباده المخلصين بقوله تعالى: {ويدعوننا رغباً} (الأنبياء، 90) ، أي: في ثوابنا {ورهباً} ، أي: من عذابنا. وقيل رغباً في وصالنا ورهباً من عقابنا. قال بعض المحققين: والأحسن أن يقال رغباً فينا ورهباً عنا، وفي هذا القدر كفاية لأولي الألباب، جعلنا الله تعالى وأحبابنا من أهل ولايته بمحمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحابته. ثم لما دل اشتمال القرآن على قصة أصحاب الكهف من حيث أنها من المغيبات بالإضافة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم على أنه وحي معجز أمره أن يداوم درسه ويلازم أصحابه بقوله تعالى:
{واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك} ، أي: القرآن واتبع ما فيه واعمل بما فيه {لا مبدّل لكلماته} ، أي: لا أحد يقدر على تبديلها وتغييرها غيره، وقال بعضهم: مقتضى هذا أن لا يتطرق النسخ إليه وأجاب بأنّ النسخ في الحقيقة ليس تبديلاً لأنّ المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان الناسخ فالناسخ كالمغاير فكيف يكون تبديلاً وهذا لا يحتاج إليه مع التفسير المذكور {ولن تجد من دونه} ، أي: الله {ملتحداً} ، أي: ملجأً في البيان والإرشاد وقيل إن لم تتبع