بألف بعد الميم، ويعضده قوله تعالى: {لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذٍ} (الانفطار، 19) وقرأ الباقون بغير ألف، ويعضده قوله تعالى: {ملك الناس} (الناس، 2) وبينهما عموم مطلق فكل ملك مالك ولا عكس لعموم ولاية الملك التزاماً لا مطابقة ولا يقدح فيها أن تقول مالك الدواب والأنعام والوحوش والطير دون ملكها لأنّ ذلك ليس من جهة عدم شمول حياطته لذلك، بل من جهة أنه إنما يضاف عرفاً إلى ما فيه انقياد وامتثال وينفذ فيه التصرف بالأمر والنهي، قاله السعد التفتازاني، وقيل: هما بمعنى وهو القادر على اختراع الأعيان من العدم إلى الوجود ولا يقدر على ذلك إلا الله ويوم الدين يوم الجزاء ومنه قولهم كما تدين تدان وهو يوم القيامة وخص بالذكر لأنه لا ملك ظاهر فيه لأحد إلا لله تعالى {لمن الملك اليوم} (غافر، 16) .
فإن قيل: إضافة اسم الفاعل غير حقيقية فلا تكون معطية معنى التعريف فكيف ساغ وقوعه صفة للمعرفة؟ أجيب: بأنها إنما تكون غير حقيقية إذا أريد باسم الفاعل الحال أو الاستقبال فكان في تقدير الانفصال كقولك: مالك الساعة أو غداً فأما إذا قصد به معنى الاستمرار: أي هو موصوف بذلك دائماً فتكون الإضافة حقيقية كغافر الذنب فصح وقوعه صفة للمعرفة.
فإن قيل: التقييد بيوم الدين ينافي الاستمرار لكونه صريحاً في الاستقبال، أجيب: بأنّ معناه الثبوت والاستمرار من غير اعتبار حدوث في أحد الأزمنة ومثل هذا المعنى لا يمتنع أن يعتبر بالنسبة إلى يوم الدين كأنه قيل: هو ثابت المالكية في يوم الدين أو المراد أنه جعل يوم الدين لتحقق وقوعه بمنزلة الواقع فتستمرّ مالكيته في جميع الأزمنة.
تنبيه: إجراء هذه الأوصاف على الله تعالى من كونه رباً للعالمين موجداً لهم منعماً عليهم بالنعم، كلها ظاهرها وباطنها عاجلها وآجلها مالكاً لأمورهم يوم الثواب والعقاب للدلالة على أنه تعالى الحقيق بالحمد لا أحد أحق به منه بل لا يستحقه على الحقيقة سواه، فإن ترتب الحكم على الوصف يشعر بعليته له.
{س1ش5/ش7 إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّآلِّينَ}
{إياك نعبد وإياك نستعين} (الفاتحة، 5 7) إيا ضمير منصوب منفصل وما يلحقه من الياء والكاف والهاء حروف زيدت لبيان التكلم والخطاب والغيبة لا محل لها من الإعراب وفيه أقوال أخر ذكرتها في «شرح القطر» .
فإن قيل: لم كرر ضمير إياك؟ أجيب: بأنه كرر للتنصيص على أنه المستعان به لا غيره.
فإن قيل: لم قدّمت العبادة على الاستعانة، أجيب: لتتوافق رؤوس الآي وليعلم منه أن تقديم الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة وأيضاً لما نسب المتكلم العبادة إلى نفسه أوهم ذلك فرحاً واعترافاً منه بما يصدر عنه فعقبه بقوله: {وإياك نستعين} ليدل على أنّ العبادة أيضاً مما لا تتم ولا تتيسر له إلا بمعونة منه تعالى وتوفيق.
فإن قيل: لم عدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب؟ أجيب: بأنّ عادة العرب التفنن في الكلام والعدول من أسلوب إلى آخر تحسيناً للكلام وتنشيطاً للسامع فيكون أكثر إسغاءً للكلام فتعدل من الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم وبالعكس فيهما فهذه أقسام أربعة ذكرها البيضاوي والتحقيق كما قاله بعض المتأخرين: أنها ستة لأنّ الملتفت إليه إثنان وكل منهما إمّا غيبة أو خطاب أو تكلم، من ذلك قوله تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} (يونس، 22) الأصل بكم فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة وقوله تعالى: {وا الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه} (الروم، 48) الأصل فساقه فهو