ما يقع فيها من التردد هل يفعل أولاً ثم الهم وهو ترجح فصد الفعل ثم العزم وهو قوة ذلك القصد والجزم به فالهاجس لا يؤاخذ به إجماعاً لأنه ليس من فعله وإنما هو شيء ورد عليه لا قدرة له عليه ولا صنع والخاطر الذي بعده كان قادراً على دفعه بصرف الهاجس أول وروده ولكن هو وما بعده من حديث النفس مرفوعان بالحديث الصحيح وإذا ارتفع حديث النفس ارتفع ما قبله بطريق الأولى وهذه المراتب الثلاث أيضاً لو كانت في الحسنات لم يكتب له بها أجر أما الأول فظاهر وأما الثاني والثالث فلعدم القصد وأما الهم فقد بين الحديث الصحيح أن الهم بالحسنة يكتب حسنة والهم بالسيئة لا يكتب سيئة وينظر فإن تركها لله كتبت حسنة وإن فعلها كتبت سيئة واحدة والأصح في معناه أنه يكتب عليه الفعل وحده وهو معنى قوله واحدة وان الهم مرفوع ومن هذا يعلم أن قوله في حديث النفس (ما لم تتكلم به أو تعمل) ليس له مفهوم حتى يقال أنها إذا تكلمت أو عملت يكتب عليها حديث النفس لأنه إذا كان الهم لا يكتب فحديث النفس أولى هذا كلامه في الحلبيات وقد خالفه في شرح المنهاج فقال أنه ظهر له أي قال السبكي أني ظهر لي المؤاخذة من إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم أو تعمل ولم يقل أو تعمله قال فيؤخذ منه تحريم المشي إلى معصية وإن كان المشي في نفسه مباحاً لكن لانضمام قصد الحرام إليه فكل واحد من المشي والقصد لا يحرم عند انفراده أما إذا اجتمعا فإن كان مع الهم عمل لما هو من أسباب المهموم به فاقتضى إطلاق أو تعمل المؤاخذة به قال فاشدد بهذه الفائدة يديك واتخذها أصلاً يعود نفعه عليك وقال ولده في منع الموانع هنا دقيقة نبهنا عليها في جمع الجوامع وهي أن عدم المؤاخذة بحديث النفس والهم ليس مطلقاً بل بشرط عدم التكلم والعمل حتى إذا عمل يؤاخذ بشيئين مه وعمله ولا يكون همه مغفوراً وحديث نفسه إلا إذا لم يتعقبه العمل كما هو ظاهر الحديث ثم حكى كلام أبيه الذي في شرح المنهاج والذي في الحلبيات ورجح المؤاخذة ثم قال في الحلبيات وأما العزم فالمحققون على انه يؤاخذ به وخالف بعضهم وقال أن من الهم المرفوع وربما تمسك بقول أهل اللغة هم بالشيء عزم عليه والتمسك بهذا غير سديد لأن اللغوي لا يتنزل على هذه الدقائق واحتج الأولون بحديث إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه فعامل بالحرص واحتجوا أيضاً بالإجماع على المؤاخذة بأعمال القلوب كالحسد ونحوه وبقوله ومن يرد فيه بإلحاد بظلم الآية على تفسير الإلحاد بالمعصية ثم قال في آخر جوابه والعزم على الكبيرة وإن كانت سيئة فهو دون الكبيرة المعزوم عليها اهـ وفي الحديث إشارة إلى عظم قدر الأمة المحمدية لأجل نبيها صلى الله عليه وسلم لقوله تجاوز ففيه إشعار باختصاصه بذلك بل صرح بعضهم بأنه كان حكم الناسي كالعامد في الإثم وإن كان من الإصر الذي كان على من قبلنا وحاصل كلام الأبي عن ابن رشد أنه من خصائص هذه الأمة قلت وفي