حد اللقب عند المشرقيين إنه هنة ناتئة أو زنمة أو علاوة رائدة متدلدلة تناط بكونية الإنسان. وعليه قول صاحب القاموس العَلاقي الألقاب لأنها تعلق على الناس. وعند المغربيين أي الإفرنج أنه جُليدة تكوَّر في الجسم. وشرح ذلك أن الهنة يمكن قطعها واستئصالها مع السهولة وكذا الزنمة وكذا العلاوة يمكن ركسها وقلبها. فأما الجليدة فلا يمكن فصلها على الجسم إلا بإيصال الضرر إلى صاحبه. وحاشية ذلك إذ الشرح لا بد له من حاشية ولولاها لم يفهم له معنى. أن الزمنة عند أهل الشرق غير موروثة إلا ما ندر فإن لكل قاعدة شذوذاً. والجليدة عند الإفرنج متوارثة كابراً عن صاغر. مثال ذلك لقب الباشا والبيك والأفندي والأغا بل الملك إنما هو محصور في ذات الملقب به فلا ينطلق منه إلى ولده. فقد يمكن أن يكون أبن الوزير أو الملك كاتباً أو نوتياً. فأما عند الإفرنج فلا يصح أن يقال لابن المركيز مركيز أو مركيزيّ. وقد يجتمع مطلق الزنمة والجليدة في جهة بقطع النظر عن كون الأولى متناهية والثانية غير متناهية. وذلك أن أصل منهما في الغالب أكال يحدث في أبدان ذوي الأمر والنهي لهيجان الدم عليهم. فلا يمكن تسكين هذا الهيجان وحك هذا الأكال إلا بأحدث الهنة والجليدة وبيانه أن الملك إذا غضب مثلاً على زيد من الزيدين لذنب اقترفه. ثم بعث إليه ذلك الزيد بشفيع عريان ليترضاه سكن هذا الاستشفاع ثورة ذلك الغضب. وأختلط الكيفية الهيجانية بالماهية العربيَّة فأنتجتا جليدة لمن كان يخاف سلخ جلده. فتحلى بها بين أقرانه حلية موبدة ولم يخف من تداول القرون عليه. والغالب في الجليدة أن تحتاج إلى جسمين. جسم مغضوب عليه وجسم شافع فيه. والغالب في الهنة أن تحتاج إلى جسم واحد فقط ومن الهنات هنات كنائسية وهي على نوعين ترابية وهوائية فالترابية ما كان لها مستقر أو أصل في التراب فتنمى فيه وتثمر وذلك كأن يكون جاثليق من الجثالقة مستقراً في دار أو دير وله إمرة على الناس يؤدون إليه عشوراً ونحوه فهو يأمر فيهم وينهي ويقضي بحسب الإقتضاء أو بحسب ما يعنّ له ولا بدّ وإن يكون عنده كاتب يعي أسراره وطباخ يشد فقاره وخازن يخزن ديناره وسجن يحبس فيه من خالفه في رأيه أو أنكر عليه أطواره. وما أشبه ذلك والهوائية عكس ما تقدم وذلك كهنة المطران إثناسيوس التتونجي صاحب كتاب الحكاكه في الركاكه فإن سيّده قلدّه في هذه المهنة ليحكم بها في المدينة طرابلس الشام غير أنه ليس في هذه المدينة أحد من أهل مذهبه حتى يؤدي إليه عشوراً أو يطبخ له طعاماً أو يكتب له رسالة فهو متقلد بها لمجرد الزينة فقط جرياً على عادة لبعض المتقدمين الذين كانوا يطلقون هنة الأمير على راعي الحمير. وزنمة الملك على شيخ قرية عَفِك. والغرض من ذلك كله انفراد شخص عن غيره بصفة ما. وإذ قد عرفت ذلك فأعلم أن الخواجا والمعلم والشيخ ليست ألقاباً معدودة في الهنات ولا في الجليدات إذ ليس في تحصيلها ما يحتاج إلى شفيع أو اختلاط أكاليّ بماهية عربية. وإنما هي خرقة تستر عورة الاسم الذي أطلق على المسمى وهي غير مخيطة فيه ولا مكفوفة ولا مشرجة ولا ملفوفة. بل هي كالبطاقة شدت إلى لابسها ليعرف بها سعره. إلا أنه كثيراً ما يقع الغلط في إلصاقها بمن ليس بينه وبينها من علاقة. فأهل مصر مثلاً يطلقون لفظة معلم على نصارى القبط. وكلهم غير معلم ولا معلم إذا قلنا أنه مشتق من العلم. فأما إذا كان اشتقاقها من العلامة بلا مشاحّة. ولفظة خواجا على غيرهم وأصل معناها كالمعلم فبقي الاعتراض في محله. فأما لفظ الشيخ فأنه في الأصل صفة من أسنّ. ثم أطلق على من تقدم في العلم وغيره مجازاً عمن تقدم في السن. فإن الطاعن في السن يستحصف عقله ويستحكم رأيه وأن أنكره النساء. فنُقلت مزيَّته إلى من باشر العلم. والذي يظهر لي بعد التأمل أن في الهنات والجليدات لضرراً عظيماً على من تحلى بها وخلا عنها، الدليل الأول أن المتصف بها يعتقد بمجاميع فلبه أنه أفضل من غيره خَلقاً وخُلقاً. فينظر إليه نظر ذي القرن إلى الأجمّ. ويستكفي بهذه السعة الظاهرة عن إدراك المناقب المحمودة والمزايا الباطنة، ويخلد بها إللا البلاد واللذات الموبقة. الثاني أنه لو نشبت فيه ربقة زحل يوماً من الأيام ودارت به دوائره فإن لم يجد ذات جليدة مثله لم يمكنه الجلد مع غيرها. وربما كان يهوى جارية عنده جميلة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015