قد وصف مصر كثير من المؤرخين المتقدمين ومدحها جمّ غفير من الشعراء الغابرين وها أنا اليوم واصفها ومادحها بما لم يسبقني إليه أحد من العالمين فأقول إنها مصر، من الأمصار. أو مدينة من المدن أو مدورة من المدر. أو كورة من الكور أو قصبة من القصب. أو بحرة من البحر. أو ماهة من الماهات أو قرية من القرى أو قارية من القواري أو عاصمة من العواصم أو صقع من الأصقاع أو دار من الديار أو بلدة من البلاد أو بلد من الأبلاد. أو قطر من الأقطار أو شيء من الأشياء. غير أن أهلها يقولون إنها مصر الأمصار ومدينة المدن وعاصمة العواصم وشيء الأشياء إلى آخره. وما أدري فرق ذلك وكيف كان فيها مدينة غاصة باللذات السائغة متدفقة بالشهوات السابغة توافق المحرورين من الرجال خلافا لما قاله عبد اللطيف البغدادي. يجد بها الغريب ملهى وسكناً وينسى عندها أهلا ووطنا ومن خواصها أن ما يذهب من أجسام رجالها يدخل في أجسام نسائها فترى فيها النساء سمانا كالاقط بالسمن على الجوع والرجال كالحشف بالشيرج على الشبع، ومنها أن أسواقها لا تشبه رجالها البتة. فإن لأهلها لطافة وظرافة وأدبا وكياسة وشمائل مرضية وأخلاقاً زكية وأسواقها عارية عن ذلك رأسا. ومنها أن ماءها لا يشبه عيشها أي خبرها. فإن الأول عذب والثاني تافه. ومنها أن العالم فيها عالم والأديب أديب والفقيه فقيه والشاعر شاعر والفاسق فاسق والفاجر فاجر. ومنها أن نساءها يمشين تارة على الأرض كسائر النساء وتارة على السقف وعلى الحيطان. ومنها تذكر المؤنث وتأنث المذكر مع أن أهلها متقنون للعلم وأي إتقان. ومنها أن حّماماتها لا تزال تقرأ فيها سورة أو سورتان من القرآن فيها ذكر الأكواب والطائفين بها. فالخارج منها يخرج طاهرا وجبنا. وأعجب من ذلك أن كثيرا من رجالها ليس لهم قلوب. وقد عوض الواحد منهم عن قلبه بكتفين وظهرين وبأربعة أيدي وأربعة أرجل. ومن ذلك أن كثيرا من البنات اللائي يغسلن اقمصتهن في بعض مجاري النيل يتعممن بقمصانهن بعد غسلهن ويمشين عريانات. ومنها أن قوماً منهم بلغهم أن نساء الصين يتخذون أو بالحري يُتخذ لهن قوالب من حديد لتصغير أرجلهن عن المقدار المعهود. فجعلوا يشذبون أصابعهم واعتقدوا أن اليد إذا كان بها أربع أصابع فقط كانت أخف للعمل وأنفع لصاحبها. مع أن الأصابع والكفوف عندهم ليست مما يكسى حتى تقضي عليهم بزيادة النفقة. كما هو شأن الإفرنج الذين لا يغادرون عضوا من أعضائهم إلاّ ويكسونه احتفالا به وتفخيماً له أو حذراً عليه من العدوى. ومن ذلك أي من الخواص لا من الأعضاء أن البنات اللائي يُستخدمن في الميري لحمل الآجر والجبس والتراب والطين والحجر والخشب وغير ذلك، يحملنه على رؤوسهن وهن فرحات جامحات رامحات سابحات صادحات مادحات مازحات. غير آحات ولا ترحات ولا دالحات ولا رازحات ولا كالحات ولا نائحات. ومن كان نصيبها من الآجرّ نظمت عليه موالاً أجريّا. أو من الجبس غنت له أغنية جبسية. كإنما هن سائرات في زفاف عروس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015