ولعمري انه ليس في هذا الكتاب شيء يعاب سوى وجدانك الفارياق فيه تارة يحشر في سرب الغواني. وتارة يدمق عليهن وهن آمنات في حجالهن أو في حديقة أو في زاوية على السرير. ولكن لم يكن لي بد من ذلك. إذ الكتاب موضوع على قص أخباره وعلم أحواله. فقد بلغني أن كثيراُ من الناس أنكروا وجود هذا المسمى فقالوا أنه من قبيل الغول والعنقاء. وبعضهم قال أنه قد ظهر مرة في الزمان ثم اختفى عن العيان. وذهب غير واحد إلى إنه مسخ بعد ولادته بأيام. ولم يعلم بأي صورة تلبس وإلى أي شكل استحال. وزعم قوم إنه صار من جنس النسناس. وقال غيرهم إنه صار من نوع الجن. وأثبت بعض إنه استحال امرأة. فإنه لما رأي أن المرأة أسعد حالاً من الرجل في هذه الدنيا المسماة دنيا كانت لا يبيت إلا هو جائر إلى ربه بالدعاء لأن يصيره أنثى. فتقبل الله ذلك منه وهو على كل شيء قدير. فرأيت والحالة هذه من بعض ما يجب عليّ أن أعرّف هؤلاء المختلفين فيه بحقيقة وجوه على ما فطر عليه. ما عدا التغيير الذي عرض له عن جهد المعيشة وسوء الحال ومقاساة الأسفار ومخالطة الأجانب والاحتكاك. وعلى الخصوص من تلفيع الشيب. والمجاورة من حد الشباب إلى سن الكهولة. فإذ قد علم ذلك فأقول كان مولد الفارياق في طالع نحس النحوس والعقرب شائلة بذنبها إلى الجدي أو التيس والسرطان ماشٍ على قرن الثور، وكان والده من ذوي الوجاهة والنباهة والصلاح مرحى مرحى إلا أن دينه ما كان أوسع من دنياهما وصيتهما أكبر من كيسهما برحى برحى وكان لطبل ذكرهما دويّ يسمع من بعيد. ولزوابع شأنهما عجاج ثناء يثور في الجبال والبيد. ولتكرير العفاة واعتشاء الوفود لديهما. تعطلت سبل دخلهما. ونزحت بئر فضلهما فلم يبق فيها إلا نزّازات يلقى فيها المخفق المحروم سدادا من عوز. فكانا يجودان به أيضاً من عوز السداد وهّ وه فلذلك لم يعد في طاقتهما أن يبعثاه إلى الكوفة أو البصرة ليتعلم العربية. وإنما جعلاه عند معلم كتاب القرية التي سكنا فيها ويح ويح وكان المعلم المذكور مثل سائر معلمي الصبيان في تلك البلاد في كونه لم يطالع مدة حياته كلها سوى كتاب الزبور وهو الذي يتعلمه الأولاد هناك لا غير أفّ أف وليس قولي إنهم يتعلمونه مؤذنا بأنه يفهمونه. معاذ الله. فإن هذا الكتاب مع تقادم السنين عليه لم يعد في طاقة بشر أن يفهمه غُط غط وقد زاده إبهاماً وغموضاً فساد ترجمته إلى اللغة العربية وركاكة عبارته حتى كاد أن يكون ضرباً من الأحاجي والمعمى رُط رط وإنما جرت عادة أهل تلك البلاد بأن يدرّبوا فيه أولادهم على القراءة من غير أن يفهموا معناه. بل فهم معانيه عندهم محظور تفّ تف وكما أنهم لا يفقهون معنى وحا وميم وقاف مثلاً. فكذلك لا يفهمون عبارة الكتاب المذكور إذا قرأوها طيخ طيخ.