قال الكسندر شدءزكو "صلى الله عليه وسلمlexandre Chodzko" في فاتحة كتاب ألّفه في نحو اللغة الفارسية سنة 1852 ما ترجمته "حصلت بلاد أروبا منذ زمن طويل على كل ما يلزم لعلم اللغات الشرقية إذ فيها خزائن كتب ومدارس وعلماء جديرون بإدارتها حتى أنه باعتبار فن أدب لغات آسية وما يلحق بها من الفلسفة والتاريخ أصبح أستاذ الفرس ومعلم العرب وبراهميّ الهند وبهم افتقار إلى أن يتعلموا من أساتيذنا كثيراً" "انتهى". وأنا أقول أن هذه الدعوى كذب ومن إفك وافتراء وترّهة وتزوير وبهتان وأبعاط وشحط وشطط وفرَظ وهِتر وعضيهة واختلاق وتزهق وتصلّف وتزبّب. وأن قائلها ينبغي أن يدمج مع من جهلوا أنفسهم في حد نبدي لأنه جهل نفسه بل حمل غيره أيضاً على الجهل بنفسه. أما أولاً فلأنه أي قائل هذه المقالة لا يعرف اللغات الشرقية ولا يعرف مقدار ما نتف منها هؤلاء الأساتيذ حتى يشهد لهم بالفضل والبراعة. وأنه في نقله للرسائل الفارسية التي أثبتها في كتابه أرتكب أغلاطاً كثيرة فاضحة سواء في النقل والترجمة. فمن ذلك قوله في صفحة 198 قانع صفصف وهي في الأصل قاع صفصف اقتباساً من قوله تعالى (ويَسألونَكَ عن الجبالِ قلْ يَنسِفها رَبيّ نسفاً فيذَرُها قاعاً صفْصَفاً) . فلما جهل المعنى بدّل قاع بقانع وترجمه باللغة الفرنساوية بقوله ويُقنع نفسه برمل البرّية. فكيف أستحلّ هذا العالم أن يملأ الكلام بالرمل واستكبر أن يسأل أحداً من أهل العلم عن المعنى. لكنها عادة له ولأسلافه ولأساتيذه في إنهم حين يشتبه عليهم المعنى يعمدون إلى الترقيع والترميق والتلفيق. والثاني إن هؤلاء الأساتيذ لم يأخذوا العلم عن شيوخه أي عن الشيوخ محمد والملاّ حسن والأستاذ سعدي وإنما تطفلوا عليه تطفلاً وتوثبوا توثباً. ومن تخرّج فيه بشيء فإنما تخرج على القس حنا والراهب توما والخوري متي. ثم أدخل رأسه في أضغاث أحلام أو أدخل أضغاث أحلام في رأسه وتوهم إنه يعرف شيئاً وهو يجهله. وكل منهم إذا درّس في إحدى لغات الشرق أو ترجم شيئاً منها تراه يخبط فيها خبط عشواء فما أشتبه عليه منها رقّعه من عنده بما شاء. وما كان بين الشبهة واليقين حدَّس فيه وخمّن فرجَّح منه المرجوح وفضل المفضول. وذلك لأنه لم يوجد عندهم من تصدّى لتخطئهم وتسوئتهم. وقد قال أبو الطيب:

وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الحرب وحده والنزالا

ولأنهم إنما اعتمدوا على اتصافهم بنعت مدرسين فاجتزأوا بالاسم عن الفعل وعن حقيقة ما يراد من التدريس. فإن المتصدي لهذه الرتبة الجليلة ينبغي أن يكون صادق النقل متثّبتاً في الرواية. متخرجاً من التهافت على ترجيح ما استحسنه هو دون مراد المؤلف. متروَّياً في سياق الحديث وسباقه وقرائنه وعلائقه. مضطلعاً باللغة والنحو والصرف والأدب. فأين هذه الصفات كلها من هؤلاء الأساتيذ كلام ذي جد فقد وجب عليك بعد قراءة جدول أغلاطهم الفاضحة أن ترجع عما تبهلقت فيه وتزببت من دون علم. وإن تكذّب نفسك في طالعة كتاب آخر تؤلفه في نحو اللغة العربية إن شاء الله. وإلا فإن أثم أفجاسك هذا في عنقك. فأما إن كان مزاحاً وأردت به السخرية من هؤلاء الأساتيذ المشاهير والأساطين المذاكير فهم أولى بأن يجيبوك. غير أني أراهم قد سكتوا عنك. فكأن دغدغة هرفك هذا لهم قد أعجبتهم. فما مثلك إلا مثَل ذلك الأبله الذي عشق امرأة ولم يقدر وصالها حتى أدفعه عشقها وهيَّمه فلم يستطع بعده حراكاّ. فعاده رجل داهٍ مثلك وأخذ يهنئه على قضاء وطره منها. فقال له الأبله كيف وأنا مغرم بها وكلما زدت شوقاً إليها ووجدا زادت أعراضاً عني وصدّا؟ قال قد رأيتك بعيني تعانقها بالأمس ثم خرجت من دارها وأنت مبتهج متهلل. ورآك غيري أيضاً وهم كثيرون. فإن أنكرت فها هم كلهم يشهدون لي، وما زال به حتى أقنعه وحمله على أن يسلوها. فأفاق من مرضه. إلا أن بينك وبين هذا الداهي فرقاص عظيماً وذلك أنه إنما استعمل دهاءه للإصلاح. وأنت إنما استعمله للإفساد. لأن كتابك هذا ربما يقع في يد بعض أرباب السياسة الذين يجهلون الفارسية والعربية. ولغفلته يظن أن مشايخ مصر وأساتيذ الفرس محتاجون الآن إلى أخذ العلم عن أصحابك. ومتى تهوّر أحد هؤلاء الوجوه في ضلال تهوَّرت معه الرعية بأسرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015