فالان أغنى الخبر عن الخبر. وتحققت أن هذه الصفات التي كنت استكثرها إن هي إلاّ بعض ما يقال في أهل هذه المدينة. فإن مودتهم يقطينية أي تنبت سريعاً كاليقطين ولا تلبث أن تذوي. ومواعيدهم عرقوبية طالما وعدوا فأخلفوا. ومنوا فأزهفوا. وحالفوا فحنثوا. وعاهدوا أفنكثوا يبشون بالمغتر بهم ويهشون. ثم هو إن لازمهم ملوه. وإن غاب عنهم نسوه. وما ينجزه غيرهم بنعم ولا فهم يرتبكون فيه أياماً وليالي يبدءونه بأساطير طويلة. ويختمونه بتهاتر وبيلة. فأما بخلهم على غير المراقص فيضرب به المثل. وناهيك إن نارهم في الشتاء كنار الحباحب. ولو أنهم أوقدوا ناراً كنار الإنكليز لرأيت جوهم أكثر دجنة ودكنة من جو أولئك. وإنهم في الصيف لا يستسرجون وما عندهم غير هذين الفصلين من فصول السنة فأما بردعارم وأما اغتم ملازم. إلا وإن أحدهم لينزل إلا فرنك أجرة من يعمل له منزلة الدينار عند الإنكليز. على أن بلدهم أغلى أسعاراً من لندن في لوازم المعيشة أو مثلها. أرأيت إنكليزياً يعمل لحسابه بالفلس كما يعمل أهل باريس حسابهم بالصنتيم؟ بل أن كثيراً من الإنكليز لا يعلمون كم في صلديهم من فلس. نعم وإن "أي أهل باريس" ليكتب إليك مكتوباً في شأن مصلحة تقضيها له ولا يدفع جعله. ولقد يضحكني من فخرهم أنهم يأكلون ابشع المأكول ولا تزال أمعاؤهم ملئا من شحم الخنزير. ثم هم إذا خرجوا إلى المحافل والمثابات بالغوا في التفخل والرفلان غاية ما يمكن وإن كثيراً منهم يغلقون في الصيف كواهم وشبابيكهم ولا يفتحونها أبداً. يوهمون الناس إنهم قد ساروا إلى بعض منازه الريف ليصيفوا فيه كما تفعل كبراؤهم. وإن كثيراً منهم ليتقوتون بالخبز والجبن نهاراً ليبدوا في الملاهي والملاعب ليلاً. وإن أشرافهم وذوي ألدّ منهم يأكلون مرتين في اليوم ويفطرون على محار البحر. والناس كلهم يأكلون ثلاث مرات والإنكليز أربع مرات.
ولكن معاذ الله أن تكون الفرنساوية كلهم كاهل باريس. وإلا فيخسر ما ضاع الثناء عليهم كما ضاع ماء الورد في غسل مرحاض.