فرويتُ بيتاً قاله من ذاق ما ... قد ذقت من ثكل ووحشة جار
جاورت أعدائي وجاور ربه ... شتان بين جواره وجواري
يا فجعة نزلت فحطم كاهلي ... تأويقها وأبان قصم فقاري
في ليلة فارقت فيها ناظري ... أبدا وفارقني على إجبار
لا غرو أن يك قد سرى جنح الدجى ... عن ناظريّ فكل نجم سار
قد كنت أطمع أن يعيش مهنأً ... بعدي ويبلغ أطول الأعمار
ووددت لو أن ذقت حتفي قبله ... لكن خيار الله غير خياري
وسَّدته بيديّ رغماً ليته ... هو كان وسدني على إيثاري
عيني إليه رنت وما لي حيلة ... يا ليت من نظرِ مُنَى إنظار
قصرت يدي عن كف ما أودى به ... أن القصور مظنة الأقصار
لهفي عليه وطرفه لي يشتكي ... إذ كان لم يقدر على الأخبار
لهفي عليه على السرير موسّداً ... ولو استطعت لكان فوق يساري
لكن أدنى اللمس كان يزيده ... ألماً فكان يؤوه من أشعاري
ويئنّ أنة مستجير واجفاً ... كالطير قُرّ فبات دون قرار
حتى خشيت الدمع يؤلم جسمه ... لما عليه همي كودْق جار
يا رعشة أودت به قد أورثت ... قلبي الوجوب ولوعة التذكار
ليت النفوض أقرّ عيني بعد أن ... سخنت بنفض فيه ذي إقرار
لهفي عليه في الظلام معانقي ... وكرايَ من شفق أليم غرار
لهفي عليه والغناء ينميه ... وإذا سكتّ صبا إلى الإكثار
لهفي عليه وهو يأخذ من يدي ... ويعيد ما يعطوه لاستغزار
لهفي عليه وهو لائك رُدْنه ... بلآلئٍ وضاحة ودراري
يا يوم أنشبت المنيةُ فيه ... طفلاً لا يطيق عوالق الأظفار
يا خطة عالت فسوَّت بين ... حتفي والحياة إلى مدى مقدار
قد كان يحلو العيش حين يلوح لي ... والآن مرّ فصار ذا أمرار
لا البعد يسليني ولا طول المدى ... وتخالف الأعصار والأمصار
ما تنقضي الحسرات أو أقضي أميً ... فبذا عليّ جرى قضاء الباري
كلا ولا تطفي أواري عبرتي ... ولئن همت في الصب كالأمطار
فالنار إلا النار ثكل تنطفي ... والماء إلا الدَّمع ضد النار
يا ليت راهي العيش يوماً راجع ... وفداء مربوب أبوه الهاري
فأكون فاديَ عمر نجليَ لاقيا ... حتفي لقاء القانع المختار
داريت ما لا ضير فيه لأجله ... فاليوم لست لما بضير أداري
أن المنية والأماني بعده ... سيان مستويان في استئثاري
فلتفعل الأيام بي ما تشتهي ... ما بعد هذا الخطب من أضرار
ولتذهب الآمال عني أنني ... لم يبق لي في العيش من أوطار
من ذاق ثكلاً مثل ثكلي فاجعا ... فليُقصرنَّ اليوم عن أصْباري
وليبكينّ معي ويحملني على ... فرط البكاء بمدمع مدرار
ما هدّ ركن الصبر مثل الثكل أو ... حَسَم المطا كحسامه البتّار
الطفل يقضي مرة لكنما ... يقضي أبوه فبله بمرار
تمروه في نزع أبنه وخفوته ... أدوار حين أيّما أدوار
هيهات من قد أشبهت أطواره ... في فقده أوطاره أطواري
أو أنّ في سوء الأسى لي أسوة ... أو أن في طول الحياة قصاري
لن ينفع الإنسان شيئاً حرصه ... كلَّ إلى أجل على مقدار
الموت غاية كل حيّ يستوي ... يه ذرو الأيسار والأعسار
والسابقون يضعهم يوم ... مع المتأخرين إلى ثرىً منهار
لكن يوم الطفل أفجع حيث لم ... يعرف له مضمار سعي دار
ما لذّ طعم العيش إلاّ من عداه ... الثكل لا من كان ذا أيسار
فالرزء في الأموال مثل الشعر تر ... زأه فينبت خِلفة الأطوار
فليهْنِ من عاشت بنوه عيشه ... وليصف مورده عن الأكدار
بعض الزوايا قد يساغ وبعضها ... يبقى شجا يشجي مدى الأعصار