حدس الهارس بن هشام قال. كنت سمعت كثيراً عن النساء حتى كدت أمنى بالنساء فمن قائل أن المحصن أطيب من العزب. وأسلم عاقبة من المزاحمة على منهل دونه مذب. أو المكابدة لِلْوب واللهب. أو التعرض للتجبية والعطب. وأنه كلما صدى قلبه من الكرُرَب، جلاه بابتسامة من زوجه عن شنب وارتشافه من رضاب كالضْرَب. وسماع نامة تغني عن آلات الطرب ومدام ذات حبب. فإن مما خص الله تعالى به المرأة من المزايا، وفضلها به من السجايا أن صوتها الرخيم لا يمرد عليه نكد. ولا يبدو معه هم وكمد. فأول ما تحرك شفتيها. تسكن القلوب إليها. وعند مغازلة عينيها، تنهال المسرات على من هو بين يديها. فيحنبش ويمحش. ويحفش وينتعش. ويدركل ويدرقل. ويسجل ويدوقل. ويبحشل ويدربل. وحين تمشي في بيتها متبدحة. تقول لها الأقدار فديناك من مغناج مرحِة. إن شئت رفعنا زوجك إلى قرن الغزالة. لينعم بالك بأحسن حاله. وإن شئت بقاءه عندك الليلة. لم تُعينا من ذاك حُويلة. وإن شئت أن نزيّن له السفر عاماً أو أكثر إلى طرح ذي أمن أو خطر. فأنت لدينا أكرم من نهى وأمر. فما عليك إلا نضنضة لسان. أو إشارة بنان. وحسبنا بطرفة عين من بيان. قال وأن الزوج متّعه الله بإحصانه. وهنّأه بنطرة بستانه. وجنى تفاحه ورمانه. وزاده من آلاته وإحسانه. يبعث بحضرة زوجه باللذات كما شاء. أن توخى مسَّاً مس وأن أشتهى نشوة نشا. وأن شاء داعب ولاعب وأن أبى إلى الجد فالجد طوع له كما أحب. وأن له منها منزهاً "ولكن غير بعيد عن الماء" تغيب فيه الأتراح. وتطلع منه الأفراح. وبشائر النجاح. وسراً تُزَفُّ به الدنيا إليه بمعرض بشر. ومهدي كُشْر. أن التوى عليه أمر قومته بمهارتها. وسددته بإشارتها. وإنها إذا تدعَّبت عليه وتقيأت. وتبعّلت له وفيأت. زاده الله نضرة ونعيماً. وزادك صبراً وجموماً. خُيل له أنه ملك الدنيا بحذافيرها. وفاز بجميع لذاتها وحبورها.. وأنه قد قام مقام العاهل الأعظم. خليفة باري الأمم. فلو رأى وقتئذ قاضي ماراً على بلغته، حسبه من أتباعه وخدمته. ولو رأى كافها أو وافها، لأنف من أن يكلمهما مشافها. فبعث مكانه إلى جانب الأول وصيفاً وإلى حضرة الثاني وصيفة وقال لهما أن لديَّ لكل فاتح قاهر ولاية شريفة ولكل سائل شاكر وظيفة. ولو إن امرأً أغلظ له وحاشاه في الكلام. وسفه فبادره بالتقريع والملام. أو رأى والعياذ بالله أن يمس له قذالا. ويسومه عليه قفئدا وإذلالا. فزع إلى زوجته أعزها الله فنفت عنه كل كرب. وأمنته من كل رعب. وردَّت عليه حجْره من حجرها. وصدارته من صدرها. وقالت له لا تخشَ من كيده وغِلّه. فإنما يدفع كل استحصاف بمثله. فرجع إلى ما كان عليه من الأنفة والفخار. والعز والذرار. حتى لو رأى قيلا أو ردفا، لهاء بنفسه عن أن ينظر إليهما نظر الأكفاء. فهو الراتع المنفق. المترف المتملق. الآكل وتلقاءه من درر الثنايا ومرجان الفم، ما يخيل إليه من الكامخ خير مطعم. والمسيخ أهنأ مغنم. وأن الأجاج والزعاق. أشهى من مدام الاغتباق. ألا ولو أنه بات معها على فرش حشوه شظايا. وماس منها زغابة لكان له من أوطأ الحشايا. فكل ضرّ معها يستحيل إلى فنع ونفع. وكل شظف بقربها فهو قصوف ورَتْع: ومن قائل لا بل عيش العزب أهنأ. واللذات أجنى. فإن السيدات يحسبه في كل وقت ذا جموم. وعندهن أن نبَّة واحدة منه تنفي جميع الهموم. إذ ليس له من تلزه كل ليلة للعظال. وتؤرّقه من الليل على مثل ذي الحال. ليتذكر دائماً أنه محصن ذات قرطق وخلخال. فهو على هذا محبب عند البنات. محروص عليه من السيدات المتزوجات. مشار إليه بالبنان من الأرامل الهائجات. وأنه إذا رجع إلى منزله رجع ويده خفيفة. ورانفته نظيفة. فلا من تقول له هات. أو تلومه على ما فات. ولا من تستوحيه عن المستقبل وتستفتيه في المصالح المَهْبل. ولا من تزجره عند قيق غيرها له وجلجه إليها بحفْ. أو تنجفه قبل مفارقته أياها أي نجف. أو تقول له نزاف نزاف. وإلا فالإزهاف. ولا من يبكي بين يديه وهو عاجز هن كفالته كما يحق عليه. فتراه أبد الدهر مياحا مفراحا. متعرضا للنساء متياحاً. شراحاً سداحاً. رفيقاً بالمُجحّ منهن مساحاً. وقد قيل في الأمثال السائرة سير العجاج، في كل فجاج. من لم يكن ذا زوجة كان ذا أزواج. قيل فمن ثم كانت خطوات العزب أوسع. وحركته أسرع. وكلامه أنجع. وأناؤه أترع ونغمته أرخم.