كيف وجدت مدينة لندن. قلت رأيت فيها النساء اكثر من الرجال وأجمل. قالت لو ذهبت إليها امرأة لرأت بعكس ذلك فإن نساء الإنكليز في هذه الجزيرة لسن حساناً والحسن كله في الرجال. قلت هؤلاء نخبة البلاد انتقتهم الدولة حساناً ليخيفوا العدو في الحرب. قالت بل الأمر بالعكس فإن الجميل لا يخيف وأن يكن عدواً وإنما القبيح هو الذي يخيف. ألا ترى انهم يقولون رجل باسل ومتبسل أي شجاع وهو في الأصل الكريه المنظر. قلت وقد قالوا أيضاً راعه بمعنى أعجبه وأخافه. قالت المعنى واحد فإنه مأخوذ من الروع أي القلب فرؤية الجميل تصيب القلب بل وسائر الجوارح. ثم قالت وكيف رأيت دكاكينها وأسواقها. قلت أما الدكاكين فملآنه من الخز والحرير والتحف البديعة. قالت هل من هو فيها. قلت فيها نساء بيض حسان. قالت أنا أسألك عن شيء وأنت تخبرني عن غيره. قد عرفت أنك زائغ البصر فلن أسألك بعد عن الناس وما اسأل إلاّ عيني. هذه خصلة فيكم معاشر الرجال إنكم لا ترون في جنسكم حسناً. قلت هي مثل خصلتكن معاشر النساء في إنكن لا ترين في جنسكن جمالا. قد تكافأنا. قالت كيف تكافأنا وبيننا خلاء. قلت كل آت قريب. قالت وكل قريب آت. قلت لا أرضى بهذه الكلية بل قولي بعض القريب. قالت إذا ساغ البعض لم يغصّ بالكل.
ثم قالت اخبرني عن الأسواق فقلت طويلة عريضة واسعة نظيفة كثيرة الأنوار بحيث لا يمكن للرجل أن ينفرد بامرأة أصلاً. حتى كان الضباب ينجلي بها في الليل أيضاً قالت هو من بعض المنافع الضارة. ألا ليت لي جداً فانظر مرة محاسن هذا المصر من قبل أن أقضي. قلت لا تقنطي فإني أرجو أن نسافر إليها جميعاً بعد مدة. قالت حقق الله لنا هذه الأمنية. فلما أمسى المساء وبات كل منهما ثملا بذكر لندن على ما مال إليه خاطره قامت في الغداة تقول قد رأيت لندن في المنام وإذا برجالها اكثر من نسائها. وطرقها واسعة كما قلت كثيرة الأنوار. ولكن يمكن للرجل فيها أن ينفرد بامرأة وكأنك إنما تقولت هذا لكيل أسيء فيك الظن. ولكن ما كنت لأصدقك من بعد أن تحققت إنك غير أمين في الرواية الأولى ثم بعد محاورة طويلة باتا تلك الليلة على اسم لندن. فأصبحت تقول: قد حلمت إني اشتريت من أحسن دكاكينها ثوب ديباج أحمر أحمر أحمر. قال إنك لا تزالين لاهجة بهذا اللون وأهل لندن لا يحبونه لا في الحرير ولا في الآدميين. قالت ما سبب ذلك؟ قلت لأن الحمرة في الناس تكون عن كثرة الدم وكثرة الدم مظنة بكثرة الأكل والشرب. وهي دليل على الرغب والنهم. وإنما يحبون اليلق الأمهق. وكذلك العرب يحبون هذا اللون فقد قال أعظم شعرائهم:
كبكر المقاناة البياض بصفرة ... غذاها نمير الحيّ غير محلّل
فقالت إن كان هذا الاستكراه من طرف الرجال فهو لخشية عزة النساء عليهم باللون الأحمر الدال على القوة والنشاط والاشر والبتع والكرع. فيوهمهم ذلك عجزهم عن كفايتهن. وإن يكن من النساء وقد نطقن به فما هو إلا مواربة ومغالطة. فإن الإنسان بالطبع يحب اللون الأحمر كما يشاهد ذلك في الأطفال. وناهيك أن الدم الذي هو عنصر الحياة أحمر. قال فقلت ولكن خلاصة الدم وصفوته هو في ذلك اللون الذي يرغب فيه أهل لندن. قالت فهذا هو السبب إذاً. الآن قد حصحص الحق وبأن. أما أنا فعلى مذهبي لن احول عنه. وللناس فيما يعشقون مذاهب. فقلت بودي لو كنت أحمر أحمر أحمر حتى تحبيني وإن كنت أحمق أحمق أحمق. قالت وما انتفاعك بالمحبة إذا كنت أحمق. وإنما يعود النفع لي في تركك إياي مع الأحمر.