أمرائنا بقصيدة فأجازني عليها مائة دينار. فاشتريت بنصفها مؤونة لعيالي. ووفيت بربعها ما كنت استدنته لكسوتهم وبقي معي ربع. وإذ سمعت بمحاسن مملكتكم الخصية البهيجة وبما فيها من التحف والطُرف التي لا توجد في بلادنا رمت أن أسرح ناظري وأنزه خاطري في هذا النعيم أياماً قليلة. عسى أن يخطر ببالي عند رؤيته معاني بديعة ما سبقني إليها أحد فأصوغ منها بادئ مديحة بليغاً في جنابك الرفيع. ومقامك السني. وأنتشر الثناء عليك في جميع الأقطار. في الليل والنهار. وأجيد وصف مكارمك في الأسفار- ما أكثر الشعراء الغاوين في بلادنا وما أكثر أقاويلهم وأقل رزقهم. أما أن تدفع الغرامة وأما أن ترجع على عقبك وأما أن نؤويك إلى دار المجانين. ولكن هيهات أن تشرف مسامع المسترحم الحقير من سيده الجليل الخطير بمثل هذه الأجوبة السلبية. فإن السلب من مقام الكبير منة. وإنما الغالب أن يكون جوابه برغم الأنف أو بالقفد. أو باللكم على الخرطوم. أو بهثم سن. أو ببقر بطن أو بطنان ساق. أو بانتقاض ظهر. ولهذا لما عزم الفارياق وكان ممن لا يستغني عن أحد أعضائه التمس من خمسة قناصل أن يشرفوا جوازه بختومهم. فحتم عليه كل من قنصل نابلي وليكورنه ومدينة أخرى في مملكة البابا وقنصل جنوا وفرنسا لأن سفينة النار تمرّ على مراسي هذه المدن كلها وترسي فيها بعض ساعات. أما مدينة نابلي فهي مشهورة بكثرة ما فيها من العجلات والمراكب والحدائق والغياض. وأما ليكورنه فبطيب هوائها وارتفاع بنائها وكذلك مدينة جنوا قال وهي عندي أحسن منهما. وأنحس ما يكون مدينة البابا إذ ليس عليها رونق المُلك ولا الملكوت وما بها شيء يقرُّ العين.
فلما وصل الفارياق إلى مرسيلية أخذ صندوقه إلى ديوان المكس وأشير إليه أن يتبعه. ثم طلب منه المكّاسون أن يفتحوه ليفتشوه فظن أنهم يريدون ان يفتشوا في كراريسي ليعلموا ما فيها فقال. أنا ما هجوت سلطانكم ولا مطرانكم فلم تفتشون في كراريسي. فلم يفهمه أحد منهم وهو لم يفهم أحداً. فلما فرغوا أشاروا إليه أن أقفل صندوقك فثلج صدره. ثم أنبري واحد منهم يمسح بيديه على جنبه فظن أنه يتمسح به أي يتبرك لكونه وجد كراريسه بخط غريب. لكنه علم من بعد ذلك أنهم كانوا يفتشونه ليعلموا هل كان مدّخراً من التبغ والمسكر.