الكلام هنا في الأشعري لا في الجميش ولا النميص قلت المجنون المجنون ودعيني إلى المجنون فقد كدت تلحقينني به بكلامك هذا المعصود قالت متى كنت تكره العصد، وهو لك غاية القصد. أما المجنون فليس إلاّ ما قلت أنطلق به إلى المعبر ودعه هناك من غير أن تخبر به أحد. قال فانطلقت به وأدخلته في إحدى الحجر وقفلت عليه الباب. فلما جاع طفق يعالج الباب ليخرج فسمعه الخادم فأخرجه. فتوصلت زوجة صاحب المعبر في أن رجعته من حيث جاء وعزمت على السفر بزوجها إلى بلادها. وناب عنه آخر من بلاده في المصالح التعبيرية ولكن لم تطل مدته لأسباب يأتي بيانها. وقبل إيرادها ينبغي أن نختم هذا الفصل بما نظمه الفارياق حين كان رئيس المعّبر يحض على التعرّي وهو
ألا تريد صاح أن نجنّا ... ونخلع اليوم الثياب عنا
ولا تنام ليلنا أن جنّا ... ولا نسي بالنساء الظنّا
ولا نرى متى يجي حنا ... وإن يغب نقل مريض مَنّا
وأن أتانا فاسق وزنّا ... نركبه الخيل فلا يعنَّى
ونجعل الزوج له مجنّا ... تقيه من كل معَنّ عنّا
ولا نبالي أن رأينا قرنا ... قد طنّ في أصداغنا ورنّا
فقد رأيت العقل يضنى الطُنّا ... ويحرم الحرّ الذي تمنى
ولن ينال الحظ مطمئنا ... إلا الذي باح بما أكنّا
مه أيها الشيخ الذي أسنّا ... ما أنت والغناء والأغنّا
تدخل في مضايق وتعنى ... وما تبالي لو لقيت وهنا
ماذا لقيت من نزير جنّا ... ومن طواف ههنا وهنّا
وأفيتنا في شهر نحس أخنى ... على المحبين فقلنا أنّا
لم تخل دار بتّ فيها معنا ... من حادث غارة سوء شنّا
يشكوك كل ذي عيال منا ... أوردتهم من كل رزء فنّا
فمن مجانين أبانوا الهنّا ... ومن مصاب بالحمام أطْنى
ومن عليل دنف أنا ... حتى رثى الضدّ له وحنّا
قدك اتئد أوقدت فينا الحزنا ... وقد شحنت المصر همّا شحنا
فاضعن هداك الله وأرحل عنا ... من قبل أن تقطع عنه الطحنا
وتنضب الماء وتنفي اليمنا ... عن بلد من قبل كان أمنا
وأختر بغير ذا المكان كنّا ... تأوي إليه مستريحا طمْنا
فما عليك أن أصبت غبنا ... ثمَّ ودَعّا أو لقيت زبْنا
أو كنت تأتي هذّرا وأقنا ... وتنظر القبيح منك حسنا
بحيث لا تبصر يوماً قرنا ... وكاشحا أخفى عليك ضغنا
كما أصبت ههنا خُبُنّا ... أصدأ منك الضرس ثم السنّا
لو استطاع لقراك سجنا ... تصبح فيه للرزايا رهنا
شيطانه عليك قد تجنى ... يقول من تبغك قد أسنّا
جعلت في دار الصلوة فرنا ... دخانه عمَّ وأعمى الرعنا
وقال قوم تفله أصنَّا ... ولحنه يبلغ ضرّا منا
فليبغ في دار سواها خدنا ... وما علينا أن سخا أو ضنّا
وأن بكى من شؤمه أو غنّى ... أو أخلص الدعا لنا أو لعنا
أو خار من جوع وذلَّ وهنا ... أو قال صرنا بعد ما قد كنا
أنك يا مغرور لم تعشقنا ... ولم تعرّ بنا ولم تشُقنا
فلا جزاك الله خيراً عنا