ثم دخلا البلد ورجع الفارياق إلى التعبير وإصلاح البخر. وبعد مدة وجيزة قدم على صاحب المعبَر رجل من العجم قيل أنه كان مسلما ثم تنصّر وإنه شاعر مفلق ذو شهرة بين علماء فارس. فسار ومعه الفارياق ليسلما عليه في المعتزل وإذا به جحشوش حتروش حزقّة ألحَي. فلما دخل البلد أقام في المعبّر فرأى الرئيس بادئ أن يحلق لحيته. فجيء بالحلاق واعمل فيها الموسى فلما انتهى إلى شاربيه سترهما بيديه فأقبل إليه صاحب المعبر وبيده كتاب ليحجّه منه على لزوم حلق الشوارب. فدار بينهما البحث والجدال حتى رضي الرئيس بنصف الشعائر. فلما كان ذات يوم من الأيام المشئومة ذهب الفارياق إلى المعبر فوجد الرئيس قد تعرّى من ثيابه بالكلية وجعل يطوف الدار على هذه الحالة ويحض الناس على الاقتداء به. ويقول يا أيها الناس ما جعلت الثياب إلا لستر العورة. ولا عورة لمن كان طاهراً بريئاً من الذنوب والمعاصي. فأن آدم لما كان في الفردوس في حالة العصمة والبراءة لم يكن له حاجة بالثياب فلما انتهى إلى زوجته ليغريها بالتعرّي قالت له إن النساء لا عصمة لهن إلا في الليل فلا بدّ لهن من الستر نهاراً. فرآه العجمي على تلك الحالة فسأل الفارياق قائلاً ما بال صاحبنا قد غيّر اليوم زيّه الأسود وتردّى بهذا الزيّ الأحمر. قال هو من جنود الخرج والجند هنا يلبسون اللباس الأحمر. ثم اشتد اللمم بكل منهما واستحكم. فخافت الزوجة أن يتلاقيا في مأزق وينشب ما بينهما الجدال أو الجلاد. فرغبت إلى الفارياق في أن يضم إليه العجمي. وكان الغصن قد قدم إليها في أثناء ذلك من الديار الشامية وهو مترجم عن جني شهي، وجذع قوي. فبوّأته عندها مقاماً كريماً. وحاولت أن يخلو لها معه المعبر خلوّاً مستديماً. ولو بدوام لمم بعلها. وفقد أهلها فأقام الغصن في أرغد عيش وأهنأ حال. وظلت هي معه أشغل من ذات النحيين في أصفى بال وظل زوجها يحض على التعري. وأنه من شعار المتزكي المتبرّي. ولبث العجمي في منزل الفارياق. وإنما قبله عنده لدمامته وضعفه ولغلبة السكوت عليه. فلما كان ذات ليلة وقد رأى عند زوجة الفارياق نساء حساناً أنحلت عقدة لسانه ونطق بكلام دل على أنه لم يتنصر عن هدى وإنما أضطره إلى ذلك أبو عمرة ثم بات تلك الليلة وقد أضطرم الغرام في قلبه فخرج ليلاً يقصد غرفة الفارياقية. فأحسّ به زوجها فبادره بحبل وهو لا يستطيع دفاعاً عن نفسه فلما كان الغد شاور زوجته في أمره. فقالت أظن أن هذا العجمي إنما جنّ لعدم الزواج وكذا سائر المجانين. إلا ترى أنه رأى البنات عندنا البارحة تهلل وجهه وتكلم؟ فقلت ما أرى الحق معك هذه المرة فإن صاحبنا الخرجي جنّ من بعد الزواج قالت لكن عقله كان قبل ذلك مختلاّ بأحلام. ولما تزوج لم يؤد الزواج حقه فأقتصّ الحق منه فلأعتبر به غيره. قلت من أين علمت هذا؟ قالت أن المتزوج لا ينبغي له أن يكون فضولياً يتعرض لغير ما هو فيه. قلت هذا تعطيل المصالح الخلق. قالت لا تعطيل فإني لا أمنعهم عن العمل بل عن فضول الكلام. واللهج بالأحلام. فأن التمحّل لعلم خرق العادات، أجهد من التحمّل لعمل عادات الخرق. ألاّ ولو كان الأمر ألي لداويت المجانين كلهم بالنساء ومن النساء وعن النساء. قلت أكل حروف الجرّ للنساء. قالت نعم كل الجرّ في النساء. قلت قد حذفت الحروف قالت بل هي باقية قلت دعيني من المطارحة وافقيني في أمر هذا المجنون. قالت ردّه إلى المعَّبر وإني أكره طول مكثه عندنا مخافة أن أحبل فيأتي الولد على شكله. قلت ما مدخل الجنون في الجنين. قالت أو ليس الأولاد يأتون بيضاً صباحاً ووالدهم قباح. فلو لم يكن لعين الأم من فاعلية عند توّحمها لما كان ذلك. قلت هذا رأي يؤدي إلى الكفر والمحال أما الكفر فلأنك تزعمين أن المرأة مشاركة في خلق الإنسان. وأما المحال فلانّ المرأة لو كان لها فاعلية في ذلك لأشبهت الأولاد آباءهم أو لجاءوا كلهم صباحاً. قالت أما جواب الكفر فلا ينكر أن يكون الله عز وجل قد خلق هذه الخاصية في المرأة وهو مسبب الأسباب. بمعنى أن القوة الوحمية التي أودعها فيها الخالق القدير تكون مؤثرة في كونية الولد. وأما جواب المحال فلأن المرأة أبداً تشتهي أن يأتي ولدها على غير هيئة أبيه. وما تراه منهم مشبهاً أباه فالغالب أنه البكر. قلت كثر الله من أمثالك ما كأنك قرأت الكلام إلا على الأشعري قالت نعم