فإن تجده خبيراً بالبعال تقل ... كل العلوم انطوت في صدر ذا الرجل
ثم تصدت لي العاشرة. وهي ذات قامة معتدلة وعين جائرة. وقالت وافظع من ذلك. ما ينشده رجلي في المنازل والمسالك. وهو قوله:
إن يزرني يوما فتى ذو صلاح ... أفسدته زوجي فراح خليعا
أو خليع مستهتر أطمعته ... وعليه غارت وحامت ولوعا
ثم دعتني الحادية عشرة، وهي متمايلة مسبكرّة. وقالت إن زوجي السيئ الظن قد جازف الكلام فيّ بما لاح في باله وعنّ. فقال:
ترى زوجي الرجال فتتّقيهم ... وليس الأمر عن حبّ الصلاح
ولكن خوف أن يغشى عليها ... من القرم الشديد إلى السفاح
ثم مالت إليّ الثانية عشرة، وكانت قصيرة حادرة. تارة حارة. وقالت عُقماً وعقرا. عن مثل زوجي الهرّا. فإنه هجا النساء طرّا. إذ قال:
ليس العَفاف من النساء سجيّة ... لكنه سبب إلى الإفساد
كالضرس تقلعه ليسلم غيره ... وعلى الذي باينت حزنك بادِ
فقلت لا جرم لأقصدنّ منتاب الشعراء. ولاتخذنهم لي عشراء. فعسى إن آنس منهم رشداً. واجد عند نارهم هدى. فإن من كلامهم لحكماً ومن أمّهم لأمماً. وكان من عادتهم أن ينفردوا عن القوم في كل يوم. ويتذاكروا أمور الدنيا من العصر إلى المساء. ولاسيما أمور النساء. فاستقصيت عن محشدهم. ودُللت على مقصدهم. فإذا هم بجملتهم قاعدون على دكة عند البحر. وقد ضربوا لهم سرادقاً يقيهم من الحر. فسرت إليهم. وسلمت عليهم. وقلت هل لكم في أن تجالسوا من يُمتّ إليكم بالوداد. وقد بلغه من كلامكم ما وخّاه إليكم عن رشاد. قالوا مرحباً بالقادم. وإن يكن غير منادم. فلما استقر بي المجلس انبرى واحد منهم ينبس. قال: لا بدّ لي من أن أنهي ما شرعت فيه. وظهر لكم مكنونه وخافيه. نعم لمن خُلق هذا الكون إلا لهن. وأي رجل ما ناله محالهن. وعنّاه وصالهن. ومنّاه محالهن. فهن المتمتعات بدرز الدنيا ونعيمها. ولذّاتها وطعومها. وحليها وجواهرها. وتحفها ونوادرها. يقترحن علينا الممكن والمحال. ويكلفننا أموراً دونها دق أعناق الرجال. لكل عضو من أعضائهن حَلي يزينه. وربما اتخذن له اثنين وثلاثة ولا تزينه. ثم ابتسم كاشراً عن نابه. واستمر خطابه. وبكل جارحة جراح منهن لا تؤسى. وحزازات لا تنسى يتهالك في حبهنّ المالك والمملوك. وسواء في الحاجة إليهن الغني والصعلوك. وإنهن يرمين الرجال في مهالك ومضايق ومرابك. ليكفوهن مؤنة الأطيبين.