أن الفارياق حين كان مرتقباً بربقة الحب قبل الزواج كان قد أستدعى به أحد الخرجيين في الجزيرة البُخْر أي في الجزيرة التي يتكلم أهلها بلغة منتنة. ليكون عنده بمنزلة معّبر للأحلام بأجرة أكثر مما كان له عند الخرجي بمصر. فمن ثمَّ عزم على السفر وطالع به خطيبته قبل الدخول بها بمدة. فقالت لا بأس فإن للرجل حقاً على امرأته أن يستصحبها حيث شاء. وأن كل بقعة من الأرض تكون لها في صحبته مغنى ووطناً. ثم أخبر أمها بذلك فرضيت. فلما وقع بالزواج وأحكمت عقدته قال الفارياق لزوجته ينبغي لنا الآن أن نتأهب للسفر. لأن أحلام الخرجي قد تكاثرت في رأسه ويخشى أن يفوته تعبيرها. فقالت أو ذلك من جدّ؟ هل جرت عادة النساء بأن يسافرون عقب الزواج ويعرضن أنفسهن للعقم والخطر؟ أليس في مصر مندوحة عن الغربة والسفر؟ كيف أفارق أخواني وأهلي وأذهب إلى بلاد مالي بها من صديق ولا خدين!؟ قال ما غرّرت بك ولا قلت لك شيئاً غير ما قلته من قبل. قالت ما كنت لا علم من الزواج ما أعلمه الآن. فقد شبهه الناس بالسعوط الذي يعطيه الطبيب اللنائم أو السكران حتى يفيق. قد علمت الآن أنَّ المرأة لم تخلق للسفر وإنما خلق السفر لها. قال: أني وعدت الرجل بأن أسافر إليه فلا بدَّ من إنجاز الوعد: فقد يقال في المثل أن الرجل يربط بلسانه لا بقرنه. ومع ذلك فإن خرجيّنا هذا مسافر معنا بامرأته فأنت مثلها. قالت ما أنا كزوجة الخرجيّ فإني الآن حديثة الصبغ وفي برزخ البكر والمتزوجة. ولم أسأم بعدُ من الأرض حتى أدخل إلى البحر. فلما علمت أمها بذلك الحت عليها في السفر. فقالت دعوني إذاً أستشير طبيباً لاُ علم هل سفر البحر يضر بالمتزوجة حديثاً أولاً. فجيء بالطبيب فلما سمع كلامها ضحك وقال. إنكم يا نصارى الشرق تنذرون للكنائس رجاء أن يمنّ عليكم صاحب الكنيسة بالحبل أو الشفاء من بعض الأمراض وأما نحن فنذر للبحر. فإن النساء عندنا حين ييأسن من الحبل يقصدن ظهر هذا الولي ويلتمسن بركته. فمنهن من ترجع حبلي بفذّ ومنهن من تضع توأمين. ولا سيما إذا كان ربان السفينة ذا رفق بالنساء يطعمهن ما يشتهين. فقال الفارياق في نفسه اللهّم أجعل ربان سفينتنا عنيفاً شرساً نكداً شكساً فظاً عسراً. فلما سمعت ذلك سكن روعها ومالت إلى السفر. فمن ثمَّ أخذوا له الأهبة وسافروا إلى الإسكندرية.

أما السفر من بولاق في القنج فأنه من أعظم اللذات التي ينشرح لها الصدر فإن النيل لا يكون إلا ساجياً. ورئيس القنجة يقف قبالة كل قرية ليتزودوا منها الدجاج والفاكهة الطريئة واللبن والبيض وغير ذلك. وناهيك بماء النيل عذوبة ومصحة. فالراكب في إحدى هذه القنج لا يزال طول نهاره آكلاً مسروراً قرير العين بما يراه نضرة الريف وخصب القرى. حتى يودّ أن تطول مدة سفره فيه وأن كان في قضاء أمر مهم. فأغتنم الفارياق حٍ هذه الفرصة وأمعن في قضاء الأعذبين ونسي مصر ولذاتها. ونعيمها وحمايتها. ورَمَدها وآفاتها. والكتب ومشايخها. والأخراج وتخاتخها. والمكاتب وبرابخها. والطنبور وأوتاره. والحمار وفراره. والطبيب وقنزعيته. وصاحب المعجزة وهجرعيته والسرى ورائحته. والوباء وجائحته. وما زال على هذه الحالة حتى وصل إلى الإسكندرية شبعان ريان. وقد تزود ما يقوم بحاجة البطالة في البحر الملح. وفاز ونجح أي فوز وأي نجح.

سفر وتصحيح غلظ أشتهر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015