فكيف تركت نصارى الشرق جميع هذه الصفات التي اتصفت بها اليهود وتعلموا منهم تلك الخصلة التي لا يتأتى عنها إلا الغصة والحسد فهل يسوغ للغني في مذهب من المذاهب أن يأخذ دنانيره في يديه ويبعث بها في عين الفقير الصعلوك حالة كونه لا يملك منها قراضة. أو للشبعان أن يلوّح بثريدته للجائع اللامس. فإن قلت أن ذلك أمر طبيعي وإن العلامة إنما يراها في الغالب المتزوجون فلا وجه للحسد. قلت لو كانت هذه العادة طبيعية لكنّا نراها مستعملة عند جميع الأمم. وهؤلاء الإفرنج الذين هم أكثر دراية وعلماً في الطبيعيات لا يستعملونها. لا بل يفنّدون مستعملها ويقولون أن العُقْر يكون غالباً سبباً في العُقْر وأن العروس منهم أول ما يحسّ بالأنشوطة قد عقدت في عنقه يأخذ عروسه ويعتزل بها في ناحية لا يبصره فيها أحد من خلق الله مجانية لأسباب الحسد، الموجب للنغص والكمد. فلا يرون أن سرور شخص يكون سبباً في حزن جماعة. وإنما قلت الأنشوطة لأن عقد الزواج عندهم تنحل بأسباب كثيرة. فأما قولك أن العلامة إنما يراها المتزوجون فلا وجه للحسد فهو كلام من حاول المغالطة والتوريب والمؤاربة. أو هو ولا مؤاخذة بما أقول كلام من لا بصرة له ولا خُبر. فقد أجمع العلماء كلهم المتبلغ منهم والمقتر والمتكفف والمعتر والعريان وذو الرعابيل والمسجون والمكبل والمشكو والمرغم أنفه على أن المتزوِّج أضيق عيناً بالحسد من العزب. وذلك أن كل إنسان يظن أن غيره في حرفته أسعد منه حالاً فلا يفكر إلا في وجه أسعديته دون أشقويته.
ولما كانت ليلة الدخول بالعروس من الليالي الغراء وأن تكن حالكة كانت مظنة لأن تنشى الحسد في صدر الخبير بها دون تذكر لما يعقبها. وفي المثل وما ينبئك مثل خبير. هذا وأني أستميح العفو من الجناب الأكرم. المقر الأفخم. حضرة الصيْر المكرم. عما أريد أن أسأله عنه على وجه الاستفادة لا الانتقاد فأقول. من أين تعلم يا ذا البصيرة أن تلك البصيرة التي يخضب بها المنديل ويعقد على علم إيذاناً ببكارة البنت هي علامة البكارة. أفليس من الممكن أن يكون ليلة الدخول بها قد فار التنور، وفاض المسجور أو بقيت منه عقابيل، دبج المنديل؟ أو يكون الرجل قد ذبح عصفوراً أو جرح أحد أصابعه إذا كان هو الذي سبق اقتطاف تلك الوردة؟ أو تكون البنت قد ادخرت فيذلك الصوان شيئاً من الدم. فإن قلت أن الرجل يعرف ذلك بمجرد التذوق، قلت لعمري ولعمر أبيك أن تلك الساعة ليست وقت وعْي ومعقول، بل وقت دهشة وذهول. ولا سيما إذا وقف وراء الباب جماعة يضجّون ويعجُّون. ويلحقون ويلجوُّن فأفِد الجواب عن ذلك. وها أنا منتظره من هنا وهنالك.