فلما سمع الفارياق ذلك أضطرب باله وثار دمه غيظاً وحزناً. فأصابه في ذلك اليوم الداء الفاشي فخرج تحت أبطه سلعة كالأترجة وحمّ وأخذه صداع أليم. فأما الوكيل فلم يصبه شيء. وذلك من الأسرار التي يعجز عن إدراكها الحكماء. ثم أن الفارياق كان حال مرضه يفكر فيما جرى عليه وهو وحيد غريب لا مؤنس عنده يسليه. ولا طبيب يداويه. وكان يقول في نفسه إذا مت على هذه الحالة فمن عساه يتمتع بكتبي هذه التي سهرت الليالي على نسخها. نعم أن الموت على كل حال صعب مكروه غير أن موت الفتى مثلي غريباً أصعب وإني قد ابتليت والحمد لله في هذه المدينة بجميع أنواع الأدواء المصبوغة بلون الحمام. فإذا فسح الله الآن في أجلي فلا أفارق هذه الدنيا إلا قرير العين بنجل يرثني. وأن لم يكن عندي من حطام الدنيا غير الكتب. كيف لا وقد جاء عن أبي شلوم ولد سيدنا داود أنه نبي له جداراً ليذكر به بعد موته إذ لم يكن له خلف. فلا تزوجنّ فإن لم يأتني خلف فالطوب بمصر كثير. اللهم يسر. غوثك يا كريم. يا رحمان. يا رحيم. ثم لما كان يمعن النظر في حال الزواج ويتصور مشاقه وشدائده التي يرى أودّاءه ومعارفه يقاسونها ويئنون من باهظ حملها، يرجع عن عزمه ويسخر من استحالة عقله وضعف فهمه لضعف جسمه ثم يعتذر لنفسه بأن كل إنسان إذا عاش مدة حياته على رأي لم يوافق رأي الجماعة وكان يعتقد وهو حيّ صحيح الجسم معافى أنهم كلهم على ضلال وأنه هو وحده على هدى فإذا أدركه ضعف جسم لم يلبث أن يتغير عقله فيميل عن مذهبه الأول. كما جرى لبيون الفيلسوف ولكثير غيره من الحكماء والفلاسفة.
ثم أن الله تعالى تدارك الفارياق برحمته. ومنّ عليه بالشفاء من علته. فقام من فراشه كأنما قام من جدته وأقبل على الطنبور يعزف به ويغني فدعه الآن على الحالة ولا تنغص عليه عيشته. وشمر أذيالك معي لنطفر فوق هذا الأجيج المتأجج أمامنا فيما يلي هذا.
أو ما كفى بني آدم ما هم فيه من الشفاء والعناء. والجهد والبلاء. والمشقة والنصب واللاواء والتعب. والحرمان والنحس والقنوط والتعس. يجبل بهم في الفُرْث والوحم ويولدون في الأوجاع والألم. ويرضعون في الضرر. ويفطمون في الخطر. ويحبون فيعثرون. ويدرجون فيتدهورون. ويمشون فيكلّون. إذا جاءوا خاروا أو وهوا. وإذا أكلوا أتخموا ويحروا. وإذا ظمئوا ضووا. وإذا شربوا غلثوا وغنثوا وخثروا. وإذا أرقوا ذابوا قلقاً وكمداً. وإذا ناموا ذهب العمر منهم سدى. وإذا هرموا ملهم أهلهم وأخواتهم. وإذا احتضروا حسروهم تحسيراً ربما أحانهم. ثم هم بين ذلك في تحصيل أسباب المعاش ساعون. وفي التظاهر باللباس والزينة معنون. منهم متهافت على امرأة تكون له أهلاً. وذو الأهل همّه بزوجه. وتربية ولده طفلاً وكهلاً. فإذا مرضو مرض. وإذا حزنوا حزن وجرض. وويل له أن تكن زوجته بَزْراً أو كانت عاقراً وذماً. ورأى لغيره من المتزوجين بنين ذوي طلعة ناضرة وشمائل سارّة. فيقول في نفسه إنما لذة الدنيا البنون. وأني ميت بلا خلف وأيّ منون. وكم من سقوط ظفرٍ وهن الجسم كله. وكم لقلع ضرس ذهب الصبر أو جلّه. ما عدا الأدواء المتعضلة. والعلل المتأصلة. وتخالف الأزمان وحول الأحوال. وتعاقب الأحزان ودوْل الحال. على هذا الجسم الواني البال. ففي الشتاء يكون عرضة للريح والزكام والبلغم والرطوبات. والبوال والعفونات. وفي الصيف للصفراء أو الحمى والصداع. والترهل والاستنقاع.
وفي الربيع لهيجان الدم وتبيغه ونزغته. وفي الخريف لتحرك السوداء وأذى الهواء وندغته. ثم إن منهم من يولد ويعرض من العيوب والأمراض.
الجَنأ أشراف الكاهل على الصدر.
أو الفسأ خروج الصدر ونتوء الخثَلَة.
والفطأ دخول الطهر وخروج الصدر.
والحدب معروف.
والحسبة أن يبيض جلد الرجل من داء فتفسد شعرته فيصير أبيض وأحمر.
والحصبة بثر يخرج بالجسد.
والشبّ داء م.
والضُبُوب داء في الشفة.
والطنَب طول في الرجلين في استرخاء وطول في الظهر.
والعكَب غلظ في الشفة واللحمى.
والغَضْبَة بخصة تكون بالجفن الأعلى خلقة.
والغِضاب داء أو الجُدَري.
والغَلَب غلظ العنق.
والقَلَب انقلاب الشفة.
والقُلاب داء القلب.
والقُوَباء الذي يظهر في الجسد ويخرج عليه.
والكَنَب غلظ يعلو الرجل واليد.