كان هذا الرجل طبيباً مشهوراً بمصر. ولكن شهرته في دائه أكثر منها في دوائه. وذلك أنه كان قد تزوج جارية تارّة على كبر سنّه فأولدها بنتاً وصبياّ. ثم عجز عن أداء حقها فجعل دأبه الملاطفة لها والتملق. وتلك عادة الرجل مع المرأة من أنه كلما قصر أعتابها وإرضائها في الحقوق الزوجية زاد حرصه عليها وكلفه بها وتردّ به لها. توهم أن هذا يسد عند المرأة مسد ذلك. وكذا حالته معها إذا كان يخونها ويرأم أخرى. كما أن دأب المرأة أن تزيد هشهشتها وعروبيتها لزوجها بزيادة إشباعه إياها وأطفاف الكيل لها. أو تملقها له إذا كانت تخونه.

وبناء على ذلك قال الطبيب لزوجته يوماً من الأيام. يا هذي أنني أرى أن قد صدئ مفتاحي عن قفلك. وأن سنك وترارتك تقتضيان أن تتخذي لك آلة رصاعية لتتلهى بها حتى يحين حيني فتتزوجني بآخر. وإلا فإني أخاف أن تتركيني وتطيري من عندي كما يطير الحمام. وقد يهون علي أن أخسر منك شيئاً واحداً ولا أخسرك بجملتك. فإنك أم ولدي ومحل سرِّي من كبدي، فلا أطيق فراقك. فاختاري لنفسك من شئت آتك به بقرنيه. فضحكت المرأة عند ذلك. ثم فال ومن حيث أني معروف في هذا البلد بأني طبيب فإذا رأى الجيران رجلاً فلا يكون عليك شبهة. فضحكت المرأة أيضاً لقوله رجالاً. قال فإن الناس يقرعون باب الطبيب ولو في نصف الليل وهنا ضحكت أيضاً. ثم تمادى في الكلام معها إلى أن قال ولا تظني أني أنا وحدي تفردت بهذه العادة. فأن أمثالي من أهل بلادي يفعلون كذلك وهنا قهقهت. فلما فرغ من بقية خطبته على هذا النسق ظنت زوجته أولاً أنه قصد بذلك أن يستطلع سرّها ويتصيدها بزلة. فبكت من شدة الغيظ وقالت له أزعمتني بغيّا حتى تقابلني بمثل هذا الكلام وتسيء بي الظن. فال حاشا لله من ذلك. وإنما تكلمت معك بمقتضى الطبع فتدبري قولي بعد حين وردِّي علي الجواب. فانصرفت المرأة من حضرته وهي واجمة مرتابة.

ثم مضت عليهما أيام غير قليلة والرجل لا يهارش ولا يعاظل. ولا يلاعب ولا يباعل. فقلقت جداً لهذه الحال. وضاق صدرها عن صبر الاعتزال. وأخذت تفكر فيما قال زوجها. فتبعلت له من الأيام وتبرجت وتعطرت وقصدت غرفته وهي تقول في نفسها. اليوم يكون برزخ الحالتين، وفيصل الحدّين. فإن لم تكن منه مباعلة ذكرته بما قال. فتلقاها بالبشر والبشاشة وأجلسها بجانبه وعرف أنها كرعت. إذ رأى قد علت عينيها خمرة وهما ترارئان وفي صوتها تهدّج أي رعشة واضطراب. فلما استقرت بادرها بالكلام بأن قال هل تبصّرت فيما قلته لك منذ أيام. قالت نعم ولكن أما عندك فضلة تغنيني عن هذا الأمر. قال ما عندي والله من وشل ولا فضلة. ولا ثمد ولا ثملة. ولم يبق لي أمل لا صلاح شأني في ناعوظ ما لا في لحم السقنقور ولا في شحم الورلدلكا ولا في الزنجبيل ولا الفلفل ولا التامول ولا القاقلة ولا الراسن ولا الفوفل ولا القرنفل ولا السنبل ولا المصطكي ولا الجوزبّوا ولا الهال ولا الرازياخ ولا في عاقر قرحا ولا في حب الصنوبر ولا الحمص ولا الكابلي ولا البليلج ولا دارفلفل ولا السمسم ولا الخولنجان ولا البسباسة ولا دهن البلسان ولاخصي الثعلب ولا في بيض العصافير ولا فيدهن السوسن ولا في القلقاس ولا في اصل النرجس منقوعا في الحليب ليلتين ولا في الكرفس مدقوقا بزره بالسكر والسمن ولا في لبس الثوب المورَّس ولا في أكل اصل اللوف ولا في الضجع معصورا ماؤه في اللبن الرائب ولا في البورق مدوفا بالعسل أو في دهن الزنبق ولا في البندق الهندي ولا في الهمقاق مقلوا ولا في علك البطم والينبوت ولا في المسك مدوفا بدهن الخيري ولا في البهمن ولا في الجزر ولا في الهليون ولا في الاملج ولا في البسفار ذانج ولا في اخضر الباقلي بالزنجبيل ولا في القلقل مدقوقا بالسمسم معجونا بالعسل ولا في صمغ الكندلي ولا في المُقل ولا في ثمر البطم ولا في التحير بخفيف لحم الرخم مخلوطا بخردل سبع مرات ولا في حب الزّلم ولا في لب القرطم ولا في معك العنم ولا في الموز ولا في مسح دماغ الخفاش بالأخمصين ولا في لحم الحمام ولا في قرفة القرنفل وإلا لما ضننت عليك بشيء لما تعلمين من فرط محبتي لك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015