فأعترض عليه أن الأولى أن يقال ماشيين. ورد بأنه لا محظور منه فأن السري هو الأصل بدليل تغليب ماشيين. ثم أعترض أن الأفصح أن يقال جسمهما أو أجسامها. وأجيب بأن الأفصح لا ينفي الفصيح ثم قيل إنه ارتكب ضرورة بحذف حرف الجر في المصراع الأخير إذ حق الكلام إن يكون خلقت يداه بأن. على أن تثنيه اليد هنا لا معنى لها فإن الداعك لا يدعك بكلتا يديه. وأجيب بأنه لا مانع من حذف الجر مع أن. وأن التثنية للإيذان بأن كل الجوارح مخلوقة لخدمة الممدوح.
ثم ورد في اليوم السادس بشير آخر فقال:
خلع السري اليوم نعليه على ... مثن عليه مبالغ في مدحه
فاستبشروا يا عصبة الشعراء من ... هذا السخاء بيمنه وبسحنه
فاعترض عليه بأن اليمن والسنح بمعنى واحد. وأجيب بأنه كقول الشاعر وألفى قولها كذبا ومينا.
ثم ورد في اليوم السابع بشير آخر فقال:
حكّ السري اليوم أسفل جسمه ... بأظافر ظفرت بكل مؤمّل
فالناس بين مصّفر ومرتل ... ومدفّف ومزمر ومطبّل
فأعترض عليه صرف أظافر. وأجيب بأن ذلك غير محظور لا سيما وقد وليها قوله ظفرت.
ثم ورد في اليوم الثامن بشير آخر فقال:
طوبى لمن في الناس أصبح حالقاً ... رأس السريّ الأحلس الملحوسا
لا زال محفوظاً بلطف الله ما ... حلتتله شعراً شريفاً موسى
فأعترض عليه بأن الملحوس غير وارد في صفة الرأس. وأجيب بأنه لا بأس به هنا للجناس. ثم قيل أن محفوفاً مع ذكر الرأس ثقيلة. وأجيب بأنها خفيفة بالنسبة إلى رأس السري. قلت وكان الأولى أن يعاب عليه قوله طوبى لمن. فأنه مطلق لا يفيد أن السري حلق رأسه في يوم معين. غير أن الجناس في المصراع الثاني شفع في البيت كله.
ثم ورد في اليوم التاسع بشير آخر فقال:
بَسَم الزمان عن المنى وتنوّرا ... لما أستحم سريناً وتنورا
إن المعالي من أسافله زهت ... والشعر بالشعراء أكسب مفخرا
فأستحسن هذان البيتان جداً لما فيهما من المطابقة والجناس التام وغيره إلا قوله مفخراً.
ثم ورد في اليوم العاشر بشير آخر فقال:
قحب السري وأي شهم ماجد ... بين البرية مثله لا يقحب
ذي سنة فرضت على كل الوري ... أن المخالف منهم ليصلب
فعيب عليه لفظة قحب وأجيب بأنها فصيحة بمعنى سعل.
ثم ورد في اليوم الحادي عشر بشير آخر فقال:
عطس السري فكلنا يبكي دماً ... وأرتاعت الأرضون والأفلاك
حرس الإله دماغه عن عطسة ... أخرى تموت برعبها الأملاك
ثم ورد في اليوم الثاني عشر بشير آخر فقال:
فسى الأمير فأيّ عرف عاطر ... في الكون فاح وأيّ مسك ديفا
يا ليت أعضاء العباد جميعهم ... تغدو لنشوة ذا العبير أنوفا
فعيب عليه قوله فسّى. إذ التكثير هنا لا معنى له. وأجيب بأن القليل المنسوب إلى السري كثير. وعليه بظلام للعبيد. فإن أدنى ما يكون من الظلم في حق الباري تعالى كثير.
ثم ورد في اليوم الثالث عشر مبشر فقال:
حبق السري اليوم في وقت الضحى ... والجو أدكن ليس يسفر عن شرق
فتعطرت أرجاؤنا بأريجه ... فكان من حبق له عرف الحبق
فأستحسنا لما فيهما من التجنيس: ثم ورد في اليوم الرابع عشر مبشر آخر فقال:
قد أسها اليوم السري فكلنا ... فرح ففي إسهاله التسهيل
قاستبضعوا خزاً إليه مطرزاً ... وتسابقوا أن البطيء قتيل
فأستحسن البيت الأول للجناس. وعيب عليه قوله مطرزاً. إذ التطريز هنا لا موجب له بل فيه إيلام. وأجيب بأنه طبق الأصل. وأن حق الترجمة أن لا تزيد على الأصل المترجم منه في المعنى ولا تنقص عنه ولا سيما في الأمور المهمة الخطيرة. وقد كان يجب أن يعاب عليه قوله فكلنا فرح وأن علله بقوله ففي إسهاله التسهيل. إذ المتبادر أن التسهيل مسبب عن حتف الممدوح وكأنه الجناس شفع فيه.