بعده? قالوا: عمر بن الخطاب، قال: فأين كانوا من أبيض بني أمية -يريد عثمان بن عفان- فإنه كان ألين جانبًا وأقرب؟! ثم قال: إن كانت صداقة أبي بكر لعمر لمسلمة إلى خير، أفيكم هو? قالوا: هو الذي منذ اليوم يكلمك، قال: أغثني, فإني لم أجد مغيثًا، قال: ومن أنت بلغك الغوث? قال: أنا أبو عقيل أحد بني مليك، لقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعاني إلى الإسلام فآمنت به وصدقت بما جاء به، فسقاني شربة سويق شرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولها وشربت آخرها، فما برحت أجد شبعها إذا جعت وريها إذا عطشت وبردها إذا سخنت, ثم يممت في رأس الأبيض أنا وقطعة غنم، أصلي في يومي وليلتي خمس صلوات وأصوم شهرًا هو رمضان, وأذبح شاة بعشر ذي الحجة أنسك بها حتى إذا أتت علينا السنة فما أبقت لنا منها غير شاة واحدة ننتفع بدرها, فأكلها الذئب البارحة الأولى فأدركنا زكاتها وأكلناها وبلغناك فأغث أغاثك الله، قال عمر: بلغك الغوث بلغك الغوث، أدركني على الماء، قال الراوي: فنزلنا المنزل وأصبنا من فضل أزوادنا, فكأني أنظر إلى عمر متقنعًا على قارعة الطريق، آخذًا بزمام ناقته لم يطعم طعامًا ينتظر الشيخ ويرمقه، فلما رحل الناس دعا عمر صاحب الماء فوصف له الشيخ وقال: إذا أتى عليك فأنفق عليه وعلى عياله حتى أعود عليك إن شاء الله تعالى, قال: فقضينا حجنا وانصرفنا، فلما نزلنا المنزل دعا عمر صاحب الماء فقال: هل أحسنت إلى الشيخ? قال: نعم يا أمير المؤمنين، أتاني وهو موعدك فمرض عندي ثلاثًا ومات فدفنته وهذا قبره، فكأني أنظر إلى عمر وقد وثب مباعدًا ما بين خطاه حتى وقف على القبر فصلى عليه ثم اعتنقه وبكى، ثم قال: كره الله له صلتكم واختار له ما عنده، ثم أمر بأهله فحملوا فلم يزل ينفق عليهم حتى قبض رضي الله عنه.
وروي عنه أنه كان إذا جاءه وفد من الأقطار استخبرهم عن أحوال الناس فيقولون: أما البلد الفلاني فإنهم يرهبون أمير المؤمنين ويخافون